إلا أن التصويت بالطرد جاء بعد اصطفاف حشود غفيرة أمام السفارة الأميركية، والسؤال الذي يتعين علينا طرحه في هذا المقام، ما الذي دفع بالبرلمان العراقي للمطالبة بطرد القوات الأميركية؟.. فنجد الإجابة فيما نورده لاحقا.
السبب الأول أنه في الخامس من الشهر الفائت شنت القوات الأميركية غارات على قوى الحشد الشعبي العراقية.
كما قرر ترامب شن غارة جوية بدون طيار كان من نتائجها قتل كل من الجنرال الإيراني قاسم سليماني والزعيم العراقي «المهندس «في مطار بغداد الدولي.
وفي أثناء رحلة عودة ترامب إلى واشنطن في يوم الأحد، حذر العراق قائلا: «جراء مطالبتكم بخروج جميع القوات الأميركية، فإننا سنؤكد على بغداد بضرورة تسديد الأموال التي أنفقناها على بناء القاعدة الجوية الكبرى». وقال أيضا «علاوة على ذلك، ففي حال طرد العراقيون القوات الأميركية، فإننا سنفرض عليهم عقوبات لم يسبق لها مثيل في أي وقت مضى، وستبدو العقوبات الإيرانية خفيفة الحدة إذا ما قورنت بالعقوبات التي سنعمد على فرضها».
أين نقف الآن في العراق؟
لقد صوت البرلمان العراقي على طرد جميع القوات الأميركية، وحثت وزارة الخارجية الأميركية المدنيين الأميركيين على مغادرة العراق، كما تحركت الكتيبة 82 المحمولة جوا إلى المنطقة بهدف حماية السفارة الأميركية في هذا البلد.
وفي أرجاء الشرق الأوسط، بات الدبلوماسيون، والجنود، والمدنيون الأميركيون في حالة تأهب وتهيب. ولا سيما إثر مطالبة رئيس الوزراء العراقي المؤقت بمغادرة الجنود الأميركيين كافة والذين يقدر عددهم بـ 5200 جندي.
وفي ضوء ما ذكر آنفا، كيف يمكن للقوات الأميركية المكروهة وغير المرغوب بوجودها من قبل البرلمان العراقي، ورئيس الوزراء المؤقت، وغالبية الشعب العراقي أن تبقى في أمان داخل العاصمة بغداد أو البلاد؟
لقد بات من الواضح بأن الأميركيين قد أصبحوا اليوم الهدف الرئيس للاحتجاجات. فعلى مدى ثلاثة أيام غصت الشوارع والساحات العراقية والإيرانية بالحشود التي يصل عددها إلى مئات الآلاف التي تشيد بسليماني وتلعن الأميركيين الذين قتلوه.
ومع تصاعد الانفعالات وصمت أصدقاء أميركا في المنطقة، بات هدف إيران وحلفاءها واضحا، إذ ترغب طهران بتجنب نشوب حرب مع الولايات المتحدة لكنها توجه المشاعر حاليا نحو إرغام الأميركيين على الانسحاب من الشرق الأوسط بدءا بطردهم من العراق.
وهكذا فقد أشارت بأن انتقامها، أي الانتقام لمقتل القائد العسكري سليماني، سيكون من جنس الفعل وقد ردت ايران بالفعل.
ما يثير الاستغراب، أن يكون ما يسعى إليه معادو أميركا في الشرق الأوسط وما كان يرغبه الجنرال سليماني هو ذاته ما سبق لترامب أن وعد به إبان حملته التي خاضها عام 2016 والذي تمثل بإنهاء المشاركة الأميركية في حروب الشرق الأوسط الأبدية.
وربما يتعين علينا بدلا من إرسال قوات إلى العراق والكويت للدفاع عن قوات أخرى موجودة هناك بالفعل، أن نوافق على المطالب القومية المحلية بدءا من إعادة القوات الأميركية إلى بلادها إلى ترك الإيرانيين والعراقيين والليبيين والسوريين واليمنيين والأفغانيين يعالجون أمر تسوية نزاعاتهم.
وخلافا لما ذكر، فقد بدا أن شعار جورج ماكغفرن أثناء حملته الانتخابية الرئاسية عام 1972 «عودوا إلى الوطن» لا يحظى بالأهمية في الأروقة السياسية الأميركية.