وإعادة التفاعل الثقافي عبر بعض المعارض الفنية الجماعية والفردية، ومن ضمنها معرض «أعمال خشب» في «الآرت هاوس» والهادف الى استشفاف الطاقات الشابة، ودفعها خطوات إلى الامام, إذ من الضروري أن تكرس الصالات، معارض لتظاهرات الشباب, وتؤكد مظاهر التفوق, في امتلاك التقنيات الحديثة، وتفهم أسرار الحداثة التشكيلية، في سياق البحث عن الجديد الابداعي والابتكاري.
والمعرض احتوى على أعمال حديثة في النحت لاسماء شابة، سبق وتعرفنا على بعض نتاجاتها في ملتقيات ومعارض فردية وجماعية.
والاسماء التي شاركت في هذه الاطلالة, هي التالية، حسب ترتيب ورودها في دليل المعرض: أروى الخضور وأمجد الحرك وبهزاد سليمان وجوليا وهبي وسيماف حسين وعلي المير ومنتجب يوسف وهشام المليح.
تؤكد (جوليا وهبي) في منحوتاتها المعروضة السبعة، على ضرورة وجود موضوع في العمل الفني الفراغي، وهذه ناحية هامة، ليس على صعيد جذب عين المشاهد فقط، وإنما أيضاً على صعيد إعادة الاعتبار إلى الصياغات الفنية المدروسة والمرتكزة على اللمسة أو الضربة الواعية، فمن يريد الإمساك ببدايات مشروع فني، يحتاج على الأقل، إلى حد أدنى من الموهبة، حتى يصل نتاجه إلى درجة من الحيوية والإتقان والإقناع، وجوليا أكدت تفوقها في النحت الأكاديمي، خلال دراستها في محترفات معهد الفنون التطبيقية - قسم النحت.
وهي تعطى النحت التعبيري مداه التخيلي والرمزي، الذي يتصدى لتوترات العيش وسط يوميات الحروب المتواصلة دون نهاية.
فالإشارات الدلالية في أعمالها، تبحث عن حوار إنساني في هذه الظروف المأساوية، وتبرز كردة فعل إنسانية ضد الحروب والتسلح والرفض الكامل للعنف ولكل مظاهر التخلف، في مرحلة الحروب الهمجية الراهنة.
وهي تجمع في أعمالها مابين التكوينات الهندسية المقروءة في العناصرالانسانية أحيانا، وفي أشكال المكعبات المبنية على هيكلية الهندسة الفراغية، ومابين الحركة الحيوية النابضة، التي تسكن جسد الشكل الإنساني المنساب في الفراغ.
ونجد هذه الدلالات الخيالية في الاشكال الانسانية المتداخلة والمنجزة كإيقاع غرائبي، يدخلنا في عمق التراث الميثولوجي، وبذلك يظهر العمل التضاد بين الواقع والخيال وبين الحركة الانسيابية والإشارات الهندسية.
ويبرز (بهزاد سليمان) قدرته في تحريك الكتلة نحو العناصرالفنية الحديثة، المقروءة في اعماله التجريدية، المتجهة احيانا لاظهار لولبية الحركة الحلزونية.
وتظهر جمالية العلاقة الحيوية بين الأشكال الإنسانية المختزلة والمحرفة، والعناصر التجريدية الفراغية في العمل الواحد.
واعماله هي الاخرى تعكس في بعض جوانبها الرؤية النحتية الحديثة والمعاصرة، والمعبرة عن التداخل العقلاني والعاطفي في الصياغة التعبيرية والتجريدية، القادمة من معطيات الواقع والعناصر الإنسانية، المنجزة هنا كإيقاعات كتلوية لجماليات منفتحة على كل الأزمنة والحضارات الشرقية والغربية، ضمن انسيابية خطوط لولبية ومنحنية ومعبرة عن حقيقة روحانية تسكن جوهر الأشكال، بعد إزالة تلافيف قشورها الخارجة.
ويمكن القول: إن اعماله، رغم حداثتها، تعتمد على الضربات العقلانية الواعية والمدروسة ومع ذلك حملت بعض منحوتاته جرأة خاصة، وأضفت إيقاعية بصرية وتشكيلية حققت قدراً من الحرية، بقدر ما ارتكزت على الرقابة المركزة، وهذه المعادلة تتطلبها الأعمال الفنية الحديثة الصادقة، فالوعي وحده لا يكفي، لا بدّ من الانفعال، حتى يأتي العمل الفني معبراً عن شتى المشاعر والأحاسيس والرؤى، التي يعيشها الفنان أثناء انجاز عمله الفني. وتثير منحوتات (أروى الخضور) إحساساً يوحي بقساوة وليونة المنحوتة في آن واحد، عبر تحقيق خطوات التعاطي مع الضربة التلقائية واللمسة المتزنة، كمدخل للكشف عن عوالم الصياغة الفنية الفراغية، المغلفة بالأحاسيس والمشاعر والرؤى والتقنيات الحديثة والمعاصرة، فالعلاقة التشكيلية في أعمالها تقع بين الشكل والفراغ، وتتغذى من الجماليات النحتية المعاصرة، وهي حين تحلل الأشكال ضمن تأليف يتخلله الفراغ، الذي هو كتلة منحوتة، فإنها تعطيها ايقاعات جمالية حديثة ومعاصرة.
وهكذا تتجه نحو طريقة اختزال الأشكال الواقعية، لإبراز صيغ التحاور البصري، تتخطى الرؤية الخارجية الموجودة في المنحوتة التقليدية، ونتابع قراءة أعمال بقية الأسماء في مقالة قادمة.
facebook.com/adib.makhzoum