فهذه المنابر ذاتها تعود وفي كل مرة إلى إعادة طرح هذه المظاهر, بهدف السعي ما أمكن لحماية الطفولة من بعض ما تتعرض له من غبن وأذى, وهذا الأذى غالباً ما يصدر من جانب بعض الكبار الذين يسرقون الفرح والبسمة من وجوه ما زالت كالبراعم, ولا تعرف متاعب الحياة ولا دنسها, ولا أساليب الكذب والخداع, ولأنهم عنوان البراءة, فإنه من السهل خداع الأطفال وسرقة جيوبهم.. وسرقة الفرح والمسرات التي يحلمون بتحققها خلال الأعياد.
قد يعتقد البعض, أنه من الخطأ الكتابة وبلغة قريبة من السوداوية ضمن مناسبة يفترض أنها تحمل الفرح وتكون مرتقبة بكثير من الصبر والحماسة من جانب أغلبية الأطفال, لكن ورغم هذه الحقيقة, فإننا سنحاول ما أمكن التوقف عند بعض المظاهر التي باتت شبه معتادة ومألوفة ودائمة الحضور, وما نقصده في هذا الكلام, أن بعض الكبار, ومن الذين لا تعرف قلوبهم الرحمة ينتظرون قدوم الأعياد باعتباره الموسم الأفضل لحصد ما أمكن من الأرباح والأموال دون النظر فيما إذا كانت مشروعة أو غير مشروعة, وهؤلاء الكبار لا يميزون طفلاً على آخر, وكل ذلك بالاتكاء على حقيقة مفادها, أن الأطفال يجهلون معاني الغش والاستغلال, وينظرون إلى الكبار على أنهم القدوة لهم في كل فعل وعمل, ومن غير المعقول أن يكونوا مصدراً للازعاج والخروج عن الطريق القويم والسليم, وخاصة أن هؤلاء الكبار غالباً ما ينتمون إلى شريحة المراهقين واليافعين, وربما ما يشجع أمثال هؤلاء على الضرب عرض الحائط بالقيم والأخلاق واللامسؤولية, إدراكهم المسبق, بأن الجهات المسؤولة عن الرقابة غالباً ما تكون في إجازة ولن تطولهم الرقابة والمحاسبة.
في حال التوقف عند الجانب المتعلق بالأطعمة والمشروبات الباردة المنتشرة على أرصفة وساحات بعض المدن والبلدات الصغيرة والكبيرة, أو ضمن ما يسمى مدن الملاهي والأماكن المخصصة للهو, لوجدنا أن ثمة الكثير من التجاوزات التي تطول الأطفال في مأكلهم ومشربهم, بحيث تقدم هذه الأطعمة بطرق وأساليب غير صحية وبعيدة عن الرقابة, فهي غالباً ما تكون مكشوفة وتفتقد أي شروط سلامة الغذاء, بدءاً من بيع سندويش »الفلافل« و»الهمبرغر« و»الشاورما« وليس انتهاء ببعض أصناف الحلويات المكشوفة التي تفتقد لأدنى الشروط في الإنتاج والتصنيع, وربما لهذا السبب بالذات, فإن أغلبية حالات التسمم عند الأطفال يتزامن حضورها مع قدوم الأعياد.
وفي حال العودة إلى سجلات الإسعاف في المشافي العامة والمستوصفات خلال الأعياد, سوف نلحظ ومن غير عناء, أن أعداد حالات التسمم الناجمة عن الأطعمة المكشوفة والملوثة تزداد ارتفاعاً في هذه المناسبات, بل أنها تتضاعف إلى حدود غير مألوفة في الأيام العادية من السنة, ولعل النقطة التي تستحق الذكر في هذا السياق, إن المنابر الإعلامية تتحدث وباستمرار حول هذه التجاوزات, ومع ذلك, فإن الجهات الرقابية (أذن من طين وأخرى من عجين), ولا تكلف نفسها أي عناء من أجل تكثيف دورياتها الرقابية لوقف هذه المظاهر ومنع حدوثها.
وبالضرورة, فذلك لا يعني ولا بأي حال من الأحوال, بأن المهمة في هذا الجانب منوطة بالجهات الرقابية على وجه التحديد, وإنما هناك إمكانية للتقليل ما أمكن من هذه المخاطر من خلال كافة وسائل الإعلام وعلى وجه التحديد المرئية والمسموعة منها, إذ بمقدور بعض برامج التوعية التي من شأنها تشجيع الأطفال على عدم تناول مثل هذه الأطعمة, والتوضيح على ما تتركه من مخاطر, وهنا لا يقل الدور التثقيفي الذي تعمل على ترسيخه المنابر الإعلامية, عن الدور المنوط بذوي الأطفال والذين بمقدورهم الإسهام في توجيه أنظار أطفالهم إلى كل ما من شأنه التسبب لهم بالأذى.
وبداهة, المخاطر التي يتعرض لها الأطفال لا تنحصر في الجانب المتعلق بالأطعمة والمرطبات المغشوشة والملوثة, وإنما الأذى ينسحب أيضاً على ما تتركه »المفرقعات« من آثار سلبية على سلامة الأطفال, فالألعاب النارية التي يزداد حضورها وتسويقها خلال الأعياد, غالباً ما ترهق الجيوب وتستنزف (العيديات) وتكون مصدراً للأذى الجسدي والمادي. وفي حال مراجعة المشافي, سوف نلحظ أن نسبة غير قليلة من الإصابات كانت بفعل (المفرقعات).
ويكفي التذكير أن هذه (المفرقعات) التي يمنع استيرادها أو تصنيعها محلياً تتوافر خلال الأعياد وبكميات كبيرة تشجع الأطفال على شرائها, والسؤال أين الإجراءات الفعلية التي من شأنها محاصرة الأشخاص الذين يقومون بتهريبها من الأسواق الخارجية, أو الذين يقومون بتصنيعها محلياً.
والسؤال التقليدي الذي غالباً ما يطلق في هذه المناسبة:
إذا كانت الجهات المعنية في وزارة الداخلية أو غيرها من الجهات تبادر بإصدار التعاميم وتوزيعها على وسائل الإعلام للمبادرة في التحذير من مخاطر المفرقعات.. فلماذا لم تتمكن الجهات المعنية ذاتها وطيلة السنوات الماضية من منع تصنيع أو استيراد أو تهريب هذه المفرقعات وما يماثلها أو يشابهها من الألعاب النارية المؤذية.