تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فولتير: «لابد أن نزرع حديقتنا»

ثقافة
الأربعاء 17-6-2015
أيدا المولي

لسنا في القرن الثامن عشر ثقافيا لكن الباحث الناقد محمد كامل الخطيب وجد الخيط الذي يربط الأفكار والأحلام البشرية عبر التاريخ حتى لو كانت فواصل الزمن تمتد لقرون عبر رواية فولتير التي كانت من عناوين القرن الثامن عشر والمعنونه باسم شخصيتها المحورية «كانديد» أو كما عربها لطفي فام واضعا لها عنوانا اضافيا وهو: التفاؤل.

فولتير ورواية التفاؤل‏‏

‏‏

بداية لابد من التنويه أن طبعة رواية «التفاؤل» لفولتير التي نتحدث عنها من اصدار وزارة الثقافة السورية منشورات دار البعث وقدم لها المؤلف الناقد محمد كامل الخطيب مستقرئا ومحللا، مؤكدا أن الرابط الذي يوحد البشرية كان ولازال معرفة القيم والمثل العليا و السعادة وبحث الانسان عن الوسيلة التي تجعل الحياة محتملة.‏‏

فهل فشل الانسان في هذه المهمة ؟ وهل ضياعه لهذه البوصلة سبب في حروب ودمار الانسان؟.‏‏

يقول محمد كامل الخطيب: ليس بالإمكان فهم العالم المعاصر دون فهم ماحدث في القرن الثامن عشر لأن ثقافة ونمط الحياة والمجتمع لاتزال تنتمي في أسسها لهذا القرن وماتزال ثورة التنوير والصناعية والثورة الفرنسية ومانشرته من أفكار الحرية والعدالة والمساواة أساس الحياة المعاصرة ومازال العقل مدعوا للاضطلاع بمسؤولياته في العيش، وحصل أعمق تحول في حياة البشرالفكرية والمعاشية منذ انتقل الانسان من حضن أمه القرية وابيه الكاهن وتوجه الى المدينة وتغيرت الحياة منذ ذلك الحين وأصبحت العلوم وسيلة الانسان في بناء نمط حياة جديدة واجتهد الفلاسفة والمفكرون يراقبون هذا العالم مباركين لحركة التغيير نحو عالم جديد- كما فولتير -.‏‏

أما الرواية فكانت فن الايزال يبحث عن مشروعيته لكن بعد ذلك أصبح الخيال يقدم في مكان موجود ومعقول وممكن على سطح الأرض لأن فولتير لم يغامر بأبطاله كما روبنسون كروزو في جزر غامضة ولم يحبسهم كما حبس سرفانتس دون كيشوت في سهل المانشا فقط بل دارت شخصياته أوروبا وامريكا والاستانة وربما أرادوا البحث في الصين بحثا عن حبيبة كانديد التي تمثل القيم ففوجئ ببشاعتها بسبب المعاناة والشرور التي تعرضت لها في والتي أفضت بها في نهاية المطاف الى أن تشترى ثم تفتدى بالمال من قبل كانديد الذي لم يتخل عنها متخذا منها زوجا رغم دمامة وجهها وتغيير مواصفاتها.‏‏

من هنا يدخل تأثير القرن الثامن عشر وثوراته على أفكار فولتير المتأثر بالفكر التجريبي الذي يرى أن الشر مجسد في المجتمع القائم وفي مؤسساته، وخصوصا في «الكنيسة» التي شن ضدها حربا لأنها كانت توجه تهمة التكفير لكل تفكير حر، وكان يعتبر أن مهمته تقوم على اطلاق آخر السهام على الكنيسة الجريحة وتحقيق الحرية النهائية للبشر، فهل تشبه آراء الكنيسة في ذلك الوقت أفكار داعش اليوم ؟.. وهل نحن على عتبات عصر يشبه ذلك العصر ؟.. والتحرر من سطوة التكفيريين المهووسين.‏‏

رأى فولتير أن العالم ليس شرا كله وليس خيرا كله، والعالم هو مانصنعه، يتابع: لكن المؤسسات التي صنعناها وخاصة الكنيسة والمؤسسات الأخرى قد أفسدتا ممثلا هذا الفكر على لسان كانديد: لابد أن يكون الناس قد أفسدوا الطبيعة قليلا، وذلك لأنهم لم يولدوا ذئابا، فصاروا ذئابا، ولم يعطهم الرب مدافع من عيار أربع وعشرين، ولم يعطهم الرب حرابا، فصنعوا مدافع وحرابا ليبيد بعضهم بعضا، بهذه الأفكار سنجد أن «كانديد» - الرواية - غايتها وضع فكرة فلسفية قيد الاختبار التجريبي الحياتي.‏‏

ورحلته ليست في سبيل التجارة، انها رحلة انسان عادي بين أناس عاديين، يجول في مساحات واماكن كثيرة ومتعددة فيشاهد عالما من البشر يحتالون ويسرقون ويغتصبون، ويحاربون،وكأنها رحلة من العذاب بحثا عن كنز مفقود.‏‏

ويقول الخطيب: ان هدف الرواية المضمر اختبار فكرة احد الفلاسفة عن «أفضل العوالم» وأن هذا العالم هو أفضل العوالم الممكنة، وان ليس بالامكا ن أفضل مما كان وسخرية فولتير منها لأن ثقافة القرن الثامن عشر كانت ثقافة التجريب والواقعية والعقلانية.‏‏

وما الرحلة الا تقنية أسلوبية لاستعراض هذه الفكرة وتقليبها على وجوهها في مختلف أرجاء العالم باختلاف أنواع الثقافات والحضارات البشرية، والرحلة هي الحامل الذي يوحد أفكار وأماكن وشخصيات «رواية كانديد».‏‏

‏‏

الجميلة كينجوند‏‏

كان كانديد وهو ابن بارون يعيش في قصر ويستمع لدروس من فيلسوف يتعلم بسعادة وينتهي به التفكير الى: «أن المرتبة الأولى من السعادة هي أن يولد الانسان بارونا والمرتبة الثانية والثالثة هي أن يرى كينجوند الفتاة السمراء الجميلة كل يوم والرابعة أن يستمع لأعظم فيلسوف في الاقليم»، لكن هذه الجنة طرد منها لأن مشهد قبلته مع الجميلة أفقدت البارون الحاكم صوابه علما أ ن كانديد هو ابن شقيقته التي لم يوافق على زواجها من رجل عادي.‏‏

هامت الدنيا بكانديد وأستاذه والجميلة درة الطبيعة بعد هجوم البلغار على القصر واعمال العنف من اغتصاب وذبح وبقر لبطون النساء وحرق للشجر، واعتقد أن كينجوند ماتت في ظل الحدث.‏‏

فبدأ يتساءل عن صدق نظرية الفيلسوف التي مفادها لكل علة معلول لها وليس بالامكان أبدع مما كان وبدأ يكذبها بصمت فما هي العلة التي أودت بنا الى الحضيض وهل من المعقول أن تتمخض تلك القبلة الجميلة عن معلول بغيض الى هذا الحد وتستمر أحداث الرواية متنقلة بين تجارب وثقافات العالم لتنتهي بفلسفة على لسان ذات الفيلسوف قائلا: «ان الانسان حين وضع في جنة عدن انما وضع فيها كي يفلح أرضها، كي يكون فيها عاملا، وذلك يبرهن أن الانسان لم يولد للراحة».‏‏

وأكدت ذلك احدى الشخصيات الأخرى قائلة: «أن العمل هو الوسيلة الوحيدة لجعل الحياة محتملة».‏‏

ولأن كافة شخصيات الرواية اجتمعت في بقعة واحدة بعد تجارب قاسية فقد زرعوا وانتجوا غلالا وافرة واستلمت كل شخصية عملا مفيدا وانتهت الرواية بفكرة فلسفية اختصرت بجملة بسيطة الا أن لها مدلولا سيبقى حيا وهي: «ورغم كل شي يجب أن نزرع حديقتنا».‏‏

فكم نحن بحاجة الآن أكثر من أي وقت لنزرع في كل بيت سوري حديقة.وكم مر على القرن الثامن عشر من أحداث اقليمية وعالمية لكن ثقافته مازالت موجودة والدليل خاتمته التي تعتبر أن الحياة تجارب على أن يبقى الأمل والتفاؤل المنارة التي توجه نحو الأفضل.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية