وأغلب المنتجين لا يدَّخرون من الربح الكبير الذي يحققونه في فترات معينة لاستخدامه عندما يتعرضون لخسارة في فترات أخرى ، ما يوقعهم في نكسات كبيرة وقد يجد بعض من ادخر منهم ، أن مجمل ادخاراته السابقة لا تغطي خسائره اللاحقة ، وقد تعرَّض العديد من المنتجين لمثل هذه الحالات وخاصة العاملين في ميدان تربية الفروج أو الزراعات المحمية ، وكثيرا ما أدت هذه الحالات لتوقف بعض المنتجين وربما عزوفهم القهري عن متابعة العمل ، عدا عن الديون التي تؤرقهم ، وقد يعزو البعض ذلك لوضع السوق المحلي ، ومدى تأثره في السوق الخارجي ، ويتجاهل المخاطر التي تلحق بالمنتج من خلال السلوكيات الاقتصادية المخالفة سواء أكانت متمثلة بتحكم تاجر أو أكثر في أسعار مستلزمات الإنتاج أو المنتجات / مثال ذلك : الصوص اللازم لتربية الفروج ، فتارة يكون سعر الصوص أكثر من ثلاثين ليرة وتـارة يكون أقل من عشر ليرات / ، أو نتيجة تحكم تاجر أو أكثر بتسويق الفروج ، فتارة يكون سعر الكيلو غرام من الفروج بحـوالي / 100 / ليرة سورية ، وتارة يهبط سعره دون الخمسين ليرة ، وفي ميدان الإنتاج الزراعي ، فقد حقق العديد من المزارعين ( وخاصة العاملين في الزراعات المحمية ) أرباحا كبيرة في العديد من المواسم نظرا لارتفاع أسعار المنتجات قياسا بمجمل التكاليف، ولكنهم في مواسم أخرى وقعوا في خسائر كبيرة ، نظرا لانخفاض أسعار المنتج قياسا بمجمل تكاليف إنتاجه ، والحالة نفسها موجودة في ميدان الإنتاج الصناعي للعديد من السلع ، وربما تكون صناعة الألبسة الأكثر تعرضا لهذه الحالة ، وخاصة في النموذج الذي يخضع تسويقه للموضة أكان ذلك في التسويق المحلي أو التصديري 0
درءا للأخطار التي لحقت ببعض المنتجين وستلحق ببعضهم الآخر ينبغي وجود شركات تسويق على مستوى كل محافظة ، تعمل على تسويق مادة أو أكثر وربما قد يكون من المناسب وجود بعضها على مستوى القطر، بحيث تتعاقد هذه الشركات مع العديد من المنتجين وتؤمن لهم كافة مستلزمات الإنتاج وتتعهد بتسويق كامل إنتاجهم بحيث تعطي المُنتِج قيمة ثابتة على كل وحدة منتجة تعادل مجمل الكلفة ، إضافة لأرباح معينة تغطي أتعابه وأجور العقارات أو المنشآت التي استثمرها لهذه الغاية والاهتلاكات التي لحقت بمعداته ، على أن يلتزم الطرفان ( المنتج وشركة التسويق ) بذلك مهما حدثت تغيرات في الأسعار صعودا أو هبوطا ، بحيث تكون شركة التسويق مُلزَمَة بتسويق كامل المُنتَج بما يضمن قيمة مضافة للمُنتِج ، مهما انخفضت الأسعار ويكون المُنتِج مُلزمًا بتقديم كامل منتجه للشركة المسوِّقة ، ضمن حدود هذه القيمة المضافة ، مهما ارتفعت الأسعار،على أن تلتزم الشركة المسوقة والمُنتِج ( في الحالتين ) باستلام و تسليم كامل المنتج دون تسويق إنتاج منتج آخر باسمه ، و أن تلتزم الشركة المسوقة بتقديم كافة مستلزمات الإنتاج وبالنوعية الجيدة في حينه ، واستلام المُنتَج في حينه واستعداد المنتِج لتسليم منتجات جيدة خالية من العيوب 0
ستبقى مخاطر مشكلة تسوق المستلزمات وتسويق المنتجات قائمة لدى المنتجين ، فهل سيقبلون على إحداث تعاونيات فيما بينهم على غرار ما هو معتمد في بعض البلدان ، أم سيقبلون لتأسيس الشركات المساهمة ، التي يترددون في الإقبال على تلبية دعوة السلطات الرسمية لانخراطهم بها ، أم هم موعودون أو يعملون لإيجاد شركات تسويقية تتولى ذلك ، بما يؤمن لهم ضمان استمرارية وجود قيمة مضافة تشكل الفرق بين مجمل النفقات ومجمل الإيرادات ، بحيث تجنبهم الخروج من ميدان الإنتاج وتحفزهم للاستمرار في العملية الإنتاجية ، فالحلول مرهونة بالأعمال ، لا بالتمنيات والآمال والأقوال
فالحاجة ماسة لأن تشهد السوق السورية استثمارات في مجال شركات التسويق التي تؤمن المستلزمات للمنتجين من السوق المحلية ، واستيرادا، وتؤمن لهم تصريف منتجاتهم في السوق المحلية ، وتصديرا، مع ضمان تحقيق قيمة مضافة للأطراف الثلاثة ، فالمصلحة الوطنية تقتضي الميل باتجاه المزيد من الإنتاج المحلي ، وهذا يتطلب تشاركية القطاع العام والخاص ، باتجاه تدعيم مقوِّمات الإنتاج ، وللشَّركات التسويقية دور رائد في ذلك ، وهي مُربحة جدا عند من يجيد العمل بها ، إذ سيتاح لها تحقيق أرباح منشارية من خلال ما تقدِّمه من مستلزمات إ نتاج وماتسوقه من منتجات فهل من مستقبل ؟