|
اليوم الأخير في حياتهم.. فخري أبو السعود... الرّحيل المبكر ثقافة فضلاً عن تمكنه من الأدب العربي القديم والحديث، وكذلك الأدب الانكليزي الذي درسه بشغف واهتمام، أثناء تواجده في بريطانيا ضمن بعثة دراسية لمصلحة وزارة المعارف المصرية. وكانت له دراسات معمقة في الأدب المقارن، نشرتها له مجلة الرسالة القاهرية لصاحبها الأديب المعروف أحمد حسن الزيات، وهي أكبر دليل على أنه أقدم على التعريف المبكر بفن من الفنون الأدبية الصعبة، لم يكن معروفاً في مصر أو في الدول العربية يومذاك. وقد عني بدراسة تاريخ مصر الحديث، فوضع دراسة موثقة عن الثورة العرابية ضد الاحتلال البريطاني، ونشر قصيدة وطنية بمناسبة ذكرى معركة التل الكبير وقصيدة ثانية وجهها إلى أبناء مصر، وقصيدة ثالثة عن عطيل بطل مسرحية شكسبير. وبصورة عامة فإن شعره امتاز بالأصالة وبالروي الجميل، وبالصور الشعرية الموحية الصادرة عن أحاسيس نبيلة ووطنية صادقة، تطالب بتحرير البلاد العربية من براثن الاستعمار. وحين عاد فخري إلى الوطن وبصحبته زوجته الانكليزية، التي تعرف عليها في رحاب الجامعة، وأنجب منها ولدين، وأقام في الاسكندرية مع أسرته الصغيرة التي شملها بعطفه وحنانه المتدفق، وسافرت زوجته إلى لندن مع ولديه، قبل نشوب نيران الحرب العالمية الثانية بأسابيع قليلة، فلما اشتعلت ميادين القتال في أوروبا عام 1939 واستهدفت الطائرات الألمانية المدن البريطانية الرئيسية وكان الولدان من بين الأطفال البريطانيين المرحلين إلى الولايات المتحدة الأميركية، من أجل تجنيبهم الأخطار، فغرقت بهم السفينة جميعاً. أما زوجته فقد منعتها أجواء الحرب عن العودة ثانية إلى مصر، فانقطعت أخبارها عنه، ففقد صوابه وشجاعته معاً. وكانت هذه الحالة الأليمة، ضياع أسرته، سبب انتحاره حيث أطلق رصاصته من مسدسه على رأسه المبدع في أحد أيام شهر آذار من عام 1940 فكانت نهايته، وطويت صفحة أيامه. لم يترك الراحل فخري وصيته كعادة المنتحرين بل ترك بخط يده المرتعشة وعلى بياض الورق، بيتين من الشعر أحدهما للمتنبي والثاني لزهير بن أبي سلمى، أما بيت المتنبي فهو: وإني لمن قوم كرام نفوسهم ترفع أن تحيا بلحم وأعظم أما بيت زهير فهو: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبالك يسأم وقد وضع كلمة ثلاثين بدلاً من ثمانين، ذلك أنه عندما أنهى حياته، وهو في حالة انهيار نفسي واكبه الاكتئاب الشديد، كان في حوالي الثلاثين من عمره، والسلامة لنا ولكم.
|