تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«سيانو ميلاد نجم أثري جديد في سماء سورية»... هــــل نــؤســس لمدرســـة وطنيـــة فــي الـــتنقـيب الأثـــري؟

ثقافة
الخميس 1-4-2010م
سجيع قرقماز

تتوزع الأرض السورية آلاف المواقع والتلال الأثرية، وهي مثال حي عن تنوع طبيعة وثقافة وتاريخ هذا البلد العريق على مر الزمن منذ بدايات الاستقرار السكاني الأول في ستمرخو، إلى الممالك السورية (إيبلا- ماري- أوغاريت)

في الألف الثالث والرابع قبل الميلاد، وصولاً إلى العصور التي مضى عليها مئات السنين، بعض هذه المواقع ألقي عليها الضوء، وكتب عنها الكثير، وبعضها (مثل سيانو) لم تلق اهتماماً كبيراً رغم أهميتها كموقع طبيعي، ودور اقتصادي مهم في الألف الثالث قبل الميلاد، كصلة وصل بين الداخل السوري وعالم شرق المتوسط وخاصة مع مصر.‏‏‏

‏‏

ميلاد نجم أثري جديد في سماء سورية.‏‏‏

استعرنا هذا العنوان من محاضرة للدكتور عدنان البني، حول نتائج حفريات 1990 حيث يقول عن التل:‏‏‏

تل سيانو، واحد من أكبر خمس تلال أثرية على الساحل السوري، يقع على خط الطول 35.22 وخط العرض 36.00 وهو إلىالشرق من مدينة جبلة، ويبعد عنها 8 كيلو مترات، مساحته حوالي عشرة هكتارات، ويرتفع 148 متراً عن سطح البحر، وبمعدل وسطي يبلغ 40 متراً عن السهل المحيط به.‏‏‏

يتابع د. البني: لم يعرف معنى مؤكداً لاسم سيانو، في اللغات المعروفة وقد تردد هذا الاسم في النصوص القديمة خلال ألف عام تقريباً في رسائل تل العمارنة (القرن 14 ق.م) وفي النصوص الأوغاريتية والحثية (القرنان 14، 13 ق.م)‏‏‏

الزيارات المؤسسة للاكتشاف‏‏‏

كان التل يبرز اللقى الفخارية بين فترة وأخرى ما جعل بعض المهتمين والباحثين يقومون بزيارات مختلفة لاستقصاء المكان، من هنا قام إيميل فوريير عام 1934 بزيارة أثرية إلى التل، وقدر أنه عاصمة مملكة سيانو.‏‏‏

بول ريس قام أيضاً بزيارة استكشافية، إضافة إلى عدد من العاملين في حقل الآثار والتاريخ في سورية، وتم تسجيله موقعاً أثرياً من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 1959.‏‏‏

في عام 1983 قام /د. عدنان البني/ و/ جبرائيل سعادة/ بزيارة الموقع وجمع نماذج من الفخار من التل وبتصوير التل.‏‏‏

في صيف 1990 أعد بسام جاموس، وجمال حيدر وصفاً لموقع التل.‏‏‏

الاكتشاف‏‏‏

في أواخر حزيران 1990 اخترقت آليات (شركة ريما) في اللاذقية الأجزاء الدنيا من التل، فانكشفت بعض المعالم الأثرية، أوقف العمل وشكلت المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية بعثة تنقيب أثرية سورية بدأت العمل فعلياً يوم 7-7-1990، وتكمل هذه السنة عامها العشرين، مستمرة في أعمال مهمة لها نتائج كبيرة،وإن كان د. بسام جاموس قد غاب عن البعثة فبسبب أعماله الإدارية الأخرى، وكذلك د. أحمد سرية، أما د. ميشيل مقدسي فهو في صيف كل عام يكون ضيفاً مهماً على مدينة جبلة، ومنها إلى سيانو. الغياب الكبير كان لـ «شيخ الآثاريين السوريين» د. عدنان البني، الذي كانت له الريادة في البحث والتنقيب في سيانو، وهو الذي بدأ البعثة الأولى وكان الآثاريون السوريون معظمهم يومها طلاب دراسات عليا، أو جامعات، والبعض لايزال في الثانوية.‏‏‏

وعودة إلى التاريخ، كتب في الثورة عام 1992 حول سيانو:‏‏‏

«الحديث عن بعثة سيانو الوطنية، يقود بالضرورة إلى الحديث عن أهمية وضرورة تأسيس مدرسة وطنية للتنقيب الأثري في سورية لها تقاليدها، وقد آن لهذه المدرسة أن تظهر مع ازدياد الاهتمام بالتنقيب الأثري، والاعتماد على الكوادر الوطنية يجب أن تؤسس مدرسة كهذه كي تنافس المدارس الأجنبية الأخرى التي تأسست منذ نهاية القرن التاسع عشر وذلك من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي للعمل الأثري بالاعتماد على الكوادر الوطنية. وإذا بحثنا اليوم نرى أن الأعمال السبرية والتنقيبية التي تعتمد على كوادرنا الوطنية، ولاتزال قليلة، لكنها تسير بتواتر كبير في هذه الفترة من خلال الاهتمام المتزايد بضرورة أن تأخذ هذه الكوادر دورها الفعال وما العمل الذي يقوم به د. عدنان البني في هذا المجال إلا خطوة في الاتجاه الصحيح، وتأسيس لنواة من الشباب المندفعين والمتحمسين في اتجاه العمل الأثري، حيث يمكن لهم أن يكونوا خلال سنوات قليلة مدرسة وطنية حقيقية تحمل على كاهلها مهمة البحث والتنقيب الأثري في القطر الذي يذخر بالآثار».‏‏‏

بعد عشرين عاماً من التنقيب.‏‏‏

تُرى هل بدأت هذه المدرسة الوطنية بعد عشرين عاماً؟ وهل يعتبر وجود بعض البعثات الأثرية الوطنية أو المشتركة تأسيساً لهذه المدرسة؟.‏‏‏

يبدو أن الكثير من هذا الكلام قد تحقق ومعظم الذين ذكرناهم هم اليوم قائمون على العمل الأثري تنقيباً ودراسة، رغم أننا لا نرى الكثير من الدراسات الأثرية والتاريخية في دورياتنا المحلية وصحفنا.‏‏‏

من هنا رأينا أن نلقي الضوء على تل سيانو، وما وصلت إليه التنقيبات الأثرية حتى اليوم.‏‏‏

«سيانو- أوشناتو» جغرافياً‏‏‏

ارتبط اسم سيانو باسم مملكة أخرى اسمها (أوشناتو) وعرفت كمملكة مزدوجة باسم (سيانو- أوشناتو)، يمكن تحديد حدودها كمايلي: نهر (عين الدلبة) 1 كم شمال سيانو يشكل خط حدود طبيعياً ثم تتجه الحدود من سيانو إلى الجنوب والجنوب الشرقي باتجاه أقدام (البارغيلوس) أي الجزء الجنوبي من سلسلة الجبال الساحلية، تاركة أغلب التلال في سهل جبلة، ما عدا (تل سوكاس) في الناحية الأوغاريتية، أما في الغرب، فقد امتدت المملكة إلى أراضي مدينة (أرواد) ذات الاستقلال الذاتي حينها، وشكل (نهر الحصين) خط حدود مقنعاً بين (سيانو) و (أمورو) في الجنوب.‏‏‏

«سيانو- أوشناتو» تاريخياً‏‏‏

كان وجود هذه المملكة المزدوجة معروفا من خلال المحفوظات الملكية الآشورية، الجديدة، وقد شاركت عام 853 ق.م في معركة قرقر ضد شلمنصر الثالث واستولى عليها تبفلات بايليزر الثالث عام 738 ق.م.‏‏‏

كما كشفت النقوش المكتشفة في رأس الشمرة أن سيانو وأوشناتو كانتا على الأقل مدينتين ملكيتين في بداية القرن الرابع عشر ق.م لكنهما شكلتا مملكة مزدوجة تحت لواء تاج مشترك حتى نهاية عصر البرونز الحديث، مع ذلك فإن ملوكها لم يستخدموا عبارة ملك سيانو وأوشناتو بل ملك سيانو وملك أوشناتو.‏‏‏

الصراع الدولي وتعيين الحدود‏‏‏

تميزت الفترة التي نتحدث عنها -القرن الرابع عشر قبل الميلاد- بالصراع الدولي الشديد بين الشمال والجنوب بين «الحثيين» شمالاً و«المصريين» جنوباً وكانت القوتان الأعظم حينها تجذبان وتسيطران على القوى والممالك الأقل شأناً، وبدرجات مختلفة، وهذا ما جعل الممالك السورية حينها تنحاز جنوباً أو شمالاً تبعاً لسيطرة إحدى هاتين القوتين، لكن السيطرة الحثية كانت أميز في تلك الفترة وهذا ما جعلها تنصب نفسها حكماً في خلافات حدود شهيرة حدثت بين سيانو- أوشناتو و أوغاريت.‏‏‏

نتائج التنقيب الأثري.‏‏‏

أهم نتائج التنقيب الأثري في التل، منذ عام 1990 وحتى العام 2009 يمكن إجمالها من خلال دراسة للدكتور ميشيل مقدسي بعنوان:‏‏‏

مقدمة عن أعمال التنقيب السورية في تل سيانو‏‏‏

تم الكشف خلال الموسم الأول عن عناصر المنشأة الصناعية ثم انتقل الفريق الميداني للعمل فوق سطح التل، حيث قام عند الأطراف الشمالية الغربية بأعمال تنقيبية موسعة استمرت لأكثر من عشرة مواسم بقيادة د. عدنان البني، ود. بسام جاموس حتى العام 2000 ليتابع هذه االأعمال د. ميشيل مقدسي. يقول د. مقدسي:‏‏‏

كان الهدف من المباشرة بأعمال التنقيب في الموقع محاولة التأكد من وجود سوية تعود الى عصر البرونز الحديث وتطابق مدينة سيانو المذكورة في النصوص الأوغاريتية ونصوص تل العمارنة.‏‏‏

إذا أردنا إعطاء نبذة عن نتائج الأعمال التي تمت خلال التسعة عشر موسماً ميدانياً فإنه يتوجب علينا تخصيص الكثير من الفصول لكي نقدم مختلف أوجه المكتشفات من الناحية المعمارية أو الطبقية أو مجموع اللقى والقطع الأثرية التي تم كشفها من خلال أعمال التنقيب الدقيقة، وسوف نحاول في هذه المقدمة تقديم نبذة عن التسلسل الطبقي والمنشآت المعمارية الرئيسية.‏‏‏

- التسلسل الطبقي‏‏‏

مكنتنا أعمال التسلسل الطبقي على الخصوص التي تمت في الحقل B من الحصول على شريحة متكاملة تبدأ من منتصف الألف الرابع لتنتهي في العصر المملوكي وقد أرشدنا السبر الطبقي الذي نفذه الأستاذ جورج معمر من تحديد عناصر طبقية هامة، ويمكننا أن نلاحظ بشكل واضح أن المفاصل الرئيسية للسويات الطبقية تتوزع على الشكل التالي:‏‏‏

- مرحلة التأسيس الأولى: تعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد وهي متزامنة في أغلب الظن مع النهضة المعمارية الأولى التي عرفتها مناطق الشرق الأدنى القديم.‏‏‏

- مرحلة الانقطاع في الاستيطان الأولى: وتتمركز زمنياً خلال فترتي البرونز القديم الأول والثاني.‏‏‏

- مرحلة إعادة التأسيس الأولى: وتبدأ خلال فترة البرونز القديم الثالث في حوالي 2600 قبل الميلاد وهي متزامنة مع النهضة المعمارية الثانية والتي لعب فيها الساحل السوري الدور الأساسي كحلقة وصل بين مناطق المتوسط الشرقية وبلاد الرافدين والهضبة الإيرانية.‏‏‏

- مرحلة الازدهار: خلال النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد حيث شمل التنظيم العمراني جميع مناطق الموقع وذلك خلال فترة البرونز القديم الرابع أ.‏‏‏

- مرحلة الانقطاع في الاستيطان الثانية: وتتمركز زمنيا خلال فترة البرونز القديم الرابع ب.‏‏‏

- مرحلة إعادة التأسيس الثانية: وتبدأ مع بداية الألف الثاني قبل الميلاد وتستمر دون انقطاع خلال فترتي البرونز الوسيط والبرونز الحديث، وتنتهي مع هجوم شعوب البحر في حوالي 1185 قبل الميلاد.‏‏‏

- مرحلة الانقطاع في الاستيطان الثالثة: وتتمركز زمنياً خلال فترة الحديد الأولى، والبدايات الأولى لفترة الحديد الثاني.‏‏‏

- مرحلة إعادة التأسيس الثالثة: وتبدأ خلال فترة الحديد الثاني، وتستمر حتى نهاية العصر الفينيقي.‏‏‏

- مرحلة إعادة التأسيس الرابعة: والتي تميز العصر الهيلينستي.‏‏‏

- مرحلة الانقطاع في الاستيطان الرابعة: الذي هجر فيها الموقع وأصبح له دور زراعي وتمركزت المنشآت العائدة إلى العصرين الروماني المتأخر والبيزنطي عن أطراف قاعدة الموقع.‏‏‏

- مرحل عودة السكن البسيط خلال العصر المملوكي، وذلك بشكل متقطع ومربوط مع أعمال زراعية.‏‏‏

3- المنشآت المعمارية الرئيسية:‏‏‏

خلال تلك المراحل الزمنية عرف الموقع العديد من المنشآت المعمارية العامة وكان أهمها يعود الى الفترات الزمنية التالية:‏‏‏

-البناء الإداري: المنقب عنه في الحقل ب، والعائد إلى بدايات فترة البرونز القديم الرابع آ.‏‏‏

-أقسام من بناء ضخم: كشف في الحقل آ مكرر، وتعود فترة البرونز القديم الرابعآ.‏‏‏

الحي السكني : المتمركز على شطح الحقل ب إلى نهاية فترة البرونز.‏‏‏

- أقسام من بناء هام يعود إلى فترة البرونز الوسيط الثاني، كشف عنه في الحقل ب.‏‏‏

- قلعة مرتفعة: تتوضع في الأقسام الغربية من سطح الموقع في الحقل آ وتعود للعصور الفينيقية المتوسطة والمتأخرة.‏‏‏

- مجمع ديني: كشف في الحقل د، ويعود للعصور الفينيقية المتأخرة.‏‏‏

- مجمع ديني: كشف في الحقل آ مكرر، ويعود للعصر الهيلينستي.‏‏‏

خاتمة:‏‏‏

إن سيانو تمتاز باستمرارية مهمة، وتوجد جميع العصور تقريبا في التل، بدءاً من أواخر الألف الثالث ق.م، وحتى القرن التاسع عشر الميلادي وهو أمر يندر أن يتوفر في مواقع أخرى. وهذا الموقع الذي يظهر أكبر كمية من آثار نهاية الألف الثالث قبل الميلاد، على طول الساحل السوري، يضعنا أمام إمكانية استكشاف سورية الألف الثالث، لإظهار نوع من العلاقات المبكرة المجهولة مع عالم الشرق المتوسط، وخاصة مع مصر.‏‏‏

من ناحية أخرى امتدت الملاحة من سيانو إلى مصر وكريت، وكانت حينها العلاقة بين مصر والساحل السوري قوية وبالأخص مع سيانو، وسبب هذه العلاقة الرئيسي كان الملاحة والتجارة، وبما أن سهل جبلة مرتبط بالزراعة منذ أقدم العصور، فإنه يمكننا تحديد النباتات الرئيسية التي كانت، ويغلب عليها: الزيتون، الأعناب، والفواكه، كما أن سيانو كانت تستخرج كميات كبيرة من الزيت ومشتقات العنب والمجففات من الفواكه، إضافة إلى الأخشاب.‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية