الأمانة إلا الأمانة
قدمت إحدى الفرق المسرحية بإحدى المحافظات السورية عرضاً سيئاً للغاية، بعد العرض طلب مدير الجلسة من الحاضرين أن يناقشوا المخرج في تقنيات العمل ورؤاه الفكرية، فكان ذلك ايذاناً بهجوم كاسح ماحق على المخرج، وبدأ الحاضرون يوبخونه ويعددون له سواءات العرض، ويسهبون في الحديث عن ركاكة الحوار وتفكك البنيان،فجأة تقدم أحد الحاضرين وقال: لماذا لا تناقشون كاتب النص فيما كتب، وهو موجود بيننا؟
وعلى ما يبدو فإن المخرج لم يكن يعرف كاتب النص من قبل شخصياً، فتقدم منه وسأله: عفواً، حضرتك فلان الفلاني، كاتب النص؟
قال: نعم.
قال: والله يا أخي إنني لم أفهم من نصك شيئا، ولكنني. للأمانة، قدمته كما هو!
هل قتل الفرزدق مربعاً
سمع الشاعر جرير نبأ يفيد بأن خصمه التاريخي، الشاعر الفرزدق، قد هدد المدعو مربعا بالقتل، فأنشد يقول:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً
أبشر بطول سلامة يا مربع!
والحقيقة أن الكثيرين من السادة القراء، وحتى النقاد ودارسي الأدب العربي، لا يعرفون شيئاً من وقائع ما جرى بين الرجلين، على إثر ذلك التهديد وهو الآتي: كان الفرزدق، حينما وجه تهديده لمربع، في الخامسة والثلاثين من عمره... وأما السيد مربع فكان في الخمسين، وكانت لديه زوجة فتية، حسناء، لما تبلغ الأربعين من عمرها بعد، وفجأة اعتلت، وماتت، وعجز الأطباء حتى عن تشخيص نوع المرض الذي أصابها!
تزوج السيد مربع، بعد أن مر على زوجته أربعون يوما، امرأة أخرى أصغر منها سناً وأحسن منها وجهاً وقواماً، عاش معها بضع سنوات بسرور، عز نظيره، ولكنها ماتت بحادث سيارة! (انتبهوا الى الخلط في الرواية، فعلى أيام جرير ومربع لم يكن ثمة سيارات!).. فحزن عليها مربع وحلف يمينا معظما ليتزوجن امرأة أكبر منه في السن، وكان ذلك، إذ تزوج امرأة في حيطان الخامسة والستين، ولكنه، بعد ان تزوجها بأسابيع قليلة، أيقن أنه ارتكب غلطة العمر، وشرع يعض اصابعه ندماً.
بيد أن رجلاً مخضرماً، كالسيد مربع، لايمكن ان يقف مكتوف اليدين حيال غلطة ارتكبها، وسرعان ما هجر تلك الزوجة في المضجع، وتزوج بواحدة صبية «تقول للقمر غيب، لأجلس مكانك كالرقيب».. وفي هذه الآونة حصل أمران على قدر كبير من الأهمية، أولهما ان الشاعر الفرزدق مات!.. وخرج السيد مربع في جنازته! وثانيهما أن ابن مربع من زوجته مات بانفلونزا الخنازير. «مرة أخرى لاحظوا الخلط!».
بعد مضي حوالي أربعين سنة على تهديد الفرزدق لمربع بالقتل، أصيب السيد مربع بترقق العظام، وشرع ظهره يحدودب، وصار يمشي مثل الحشرة التي تسميها العامة «أم علي الدعبلي»! وما هما إلا سنتان أو أقل حتى أصبحت ساقاه لا تحملانه، فوقع في الفراش لامن فمه ولا من كمه. وتبهدلت كبرته.
هل تريدون ان تعرفوا كيف حصل ذلك؟
قلنا : يا ليت .
قال: لأنه كان قد صرف، خلال عمره المديد، ما لديه من أموال سائلة، وباع العقارات والعرصات التي يمتلكها، وصرف ثمنها على معالجة العلل والأمراض التي عششت في جسده، وتوفيت آخر اثنتين من زوجاته، بينهما شهر تقريبا، وتوفي أولاده الذين خلفهم من نسائه الكثيرات، الواحد تلو الآخر، وما عادت امرأة في البلد ترضى به زوجاً، لاسيما بعد ان «تدعبل»، وما عاد في مقدور هذه المرأة ان تتعامل معه كما تتعامل الزوجة مع زوجها!
الأمر الطبيعي، والحالة هذه، ان يلقى السيد مربع في دار المسنين التي تمتلكها الجمعيات الخيرية، ولكن أيا من تلك الدور لم تقبل به ضيفا،.. باعتبار انه لا يمتلك وثيقة «لاحكم عليه».. والحقيقة انني نسيت ان اخبركم ان ابناء الفرزدق كانوا قد رفعوا عليه دعوى أمام القضاء، بتهمة أنه تسبب بوفاة والدهم .. لأن الفرزدق، كما تقول بعض الأخبار غير الموثقة، مات طقيقا من بقاء السيد مربع على قيد الحياة طيلة تلك السنين!