وحين يقف أحدنا أمام البائع فإنه يطلب تلبيته وتجاوز ماقبله من الزبائن لأنه مستعجل والسائق سواء كان صاحب سيارة عمومي أو خصوصي أو قاطرة ومقطورة فهو يتجاوز الذي قبله لأنه مستعجل، وغالبا ما يبدأ بإطلاق زمور سيارته دون سبب سوى التنبيه إلى أنه مستعجل ورحم الله أيام زمان حين كانت المواعيد تعطى بين الصلاتين، فلم يكن الناس يومها مهووسين بالعجلة والاستعجال فأيامهم رتيبة وليس لديهم ما يستعجلون من أجله ولعلهم آنذاك أدركوا الحكمة التي مفادها إن العمر ينتهي، والشغل لا ينتهي.
وباستثناء بعض المستعجلين على الثراء والمناصب، واستطاعوا تحقيقها بالطرق المستعجلة وما تقتضيه تلك الطرق من لف ودوران ومشاوير مخاتلة، فإن الآخرين من المستعجلين أو مدعي الاستعجال، ترى ماذا يفعلون بعد أن ينهوا المشوار أو الشغلة التي بين أيديهم؟
قبل أن تعمم باصات البولمان المريحة للسفر بين المحافظات، كانت باصات الكرنك المريحة أيضا، وقبلها لم يكن سوى باصات الهوب هوب غير المريحة والتي تنقل الشريحة الواسعة من الناس بين محافظة وأخرى.
وأيضاً كانت السيارات الصغيرة العمومي (التاكسي) التي يعتمدها بعض المترفين أو الذين يحبون راحة أبدانهم أو الوجاهة وسيلة للتنقل من محافظة إلى أخرى.
إضافة الى القلة القليلة ممن كان يمتلك سيارة خاصة آنذاك يستعملها للمشاوير الداخلية والسفر.
من بين أصحاب سيارات النقل الصغيرة المعروفة باسم التاكسي كان شخص اسمه أبو ياسين وهو واسع الشهرة عند الشريحة التي كانت تأنف التعامل مع باصات الهوب هوب، وكان لأبي ياسين زبائن مخصصة ومعروفة لديه.
أما خط سيره فقد كان حمص- دمشق وبالعكس وسيارته مثل باقي التكاسي تتسع لخمسة ركاب وكان أبو ياسين يتقاضى خمس ليرات سوريةعن كل راكب أجرة المشوار من منزل الراكب في حمص والى المنزل أو المكان الذي يقصده كل من ركابه في دمشق وبالعكس اي من الباب الى الباب.
أبو ياسين معروف بالهدوء وهو غير مولع بالسرعة او الاستعجال فمؤشر سيارته لا يتجاوز الستين كيلو مترا في السفر وهذا على الطريق القديم قبل انشاء طريق الأوتستراد.
في احدى السفرات من دمشق الى حمص كان الركاب كعادتهم مستعجلين اذ ظلوا يلحون على أبي ياسين بالاستعجال لأن كلاً منهم كان مشغولاً ومستعجلا للوصول لكن ابا ياسين لم يستجب لطلب أحدهم في رفع وتيرة سرعة سيارته فالإبرة في العداد إو المؤشر لم ترتفع عن الستين، لأن الرجل أي صاحب السيارة كعادته لم يكن مستعجلا.
حين وصل أبو ياسين وركابه إلى مدخل مدينة حمص. مال بسيارته الى يمين الطريق عند مقبرة طريق الشام، هذا هو اسم تلك المقبرة.
ثم أطفأ محرك سيارته وطلب من الجميع الترجل من السيارة، وسط حيرة الركاب ودهشتهم، أخبرهم أبو ياسين أن جميع نزلاء هذه المقبرة من الأموات قد ماتوا قبل أن ينهوا أشغالهم فالعمر بيخلص والشغل ما بيخلص، وأنهى أبو ياسين حكمته بأن لا شيء يستحق الاستعجال.