ورغم ثورة الغضب التي أطلقها النواب الديمقراطيون في الكونغرس لما لحق ببايدن المناصر القوي لإسرائيل، وضع اللوبي الصهيوني خطة لمواجهة أهم المواجهات بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ حرب السويس 1956 حين طلب الرئيس دوايت ايزنهاور من تل أبيب وحلفائها فرنسا وبريطانيا إيقاف الاعتداء غير المبرر على مصر، لكن بعد هذه الحادثة الشهيرة توالت المواجهات الأمريكية الإسرائيلية على نطاق ضيق جداً كالخلاف حول بيع الرئيس ريغان طائرات أواكس للسعودية في بداية الثمانينات وكذلك مواجهة الرئيس جورج بوش الأب مع إسرائيل في بداية التسعينيات حين هددت الولايات المتحدة بحجب ضمانات الديون الإسرائيلية بعد أن أفشلت اليمين الإسرائيلية آنذاك عملية السلام، لكن النتيجة في جميع تلك المواجهات كان الطرف الرابح إسرائيل وخوفاً من هذه الاحتمالات سارع اللوبي الإسرائيلي (إيباك) منذ بداية الأزمة إلى استجماع قوته للوقوف في طريق أي خطوة قد يخطوها الرئيس أوباما ضد إسرائيل وظهر على الفور نشاط مواز للإيباك من قبل منظمة جي ستريت المناصرة لإسرائيل وشنت هجوماً قوياً على كل من عينهم الرئيس أوباما بشأن العمل لإحلال السلام في المنطقة، وطالت الهجمة هذه جورج ميتشل مبعوث الرئيس أوباما للمنطقة والجنرال جيمس جونز ومار رودمان وهما من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية ويناصران معسكر إسرائيل للسلام، ما أدى إلى تخفيف ردة الفعل لدى الرئيس أوباما وفريق إدارته بل عمدت من جديد المنظمات اليهودية ووسائل الإعلام الموالية لها في أمريكا إلى حث إدارة الرئيس أوباما إلى أن تتناسى الأمر وأن تعود إلى وضع اقتراحات جديدة بشأن القضايا الجوهرية المتعلقة بالحدود بين الدولتين (إسرائيل وفلسطين) وكذلك الحال حيال قضايا اللاجئين والأمن ومستقبل القدس وكل ذلك في إطار اللعب على الوقت والعودة إلى دائرة مغلقة تعود معها المفاوضات إلى عملية عبثية يكون فيها الجانب العربي والدولي قد تناسى خطط الاستيطان اليهودي المتسارعة وغط في نوم عميق، وبالتالي تكون الإدارة الأمريكية استعادت لنفسها ما توحيه بمن دفع جهودها لإحلال السلام مرة أخرى كي تضيع من جديد متاهات إسرائيلية جديدة سواء مع هذه الحكومة الإسرائيلية أم مع غيرها، إذ إن المهم هو تضييع الوقت والجهود الدولية وبالتالي تضييع الحقوق العربية.
إذاً الدور الذي ينفذه اليوم اللوبي اليهودي وصل إلى مراده من خلال إصرار نتنياهو على أنه لن يغير من سياسته أو يجعله يتراجع عن خططه لمواصلة الاستيطان بل هذا اللوبي وعلى العكس تماماً طالب إدارة الرئيس أوباما اتخاذه خطوات من جانبها لإنهاء التوتر مع إسرائيل وأن تبعد هذه الإدارة عن أي مطالبات ومهل زمنية موجهة ضد إسرائيل.
وقد ذهب (آيب فوكسمان) عضو عصبة مناهضة التشهير بإسرائيل والمدافعة عن كل ما ترتكبه من أعمال وخطط لتوسيع الاستيطان اليهودي في فلسطين طالب الولايات المتحدة بأن تكفر عن ذنبها الجديد بإهانة إسرائيل وقال: نحن مصدومون كثيراً من نبرة الإدارة الأمريكية حيال إسرائيل والتهجم عليها بهذا الشكل والحجم من أجل قضية تافهة كتوسيع الاستيطان اليهودي.
وأضاف: لا يسعنا سوى التساؤل عن المدى الذي تستعد له إدارة الرئيس أوباما للذهاب إليه ضد إسرائيل ولاسترضاء الفلسطينيين الذين ليس أمامهم على حد قوله إلا أن يرحلوا عن إسرائيل ويستوطنوا في الدول العربية كحل لمشكلتهم التي خلقوها لأنفسهم.
أمام هذه المواقف الصارخة في وجه إدارة الرئيس أوباما هل بدأت تعي هذه الإدارة حجم التصلب الإسرائيلي وحجم رفض حكومة نتنياهو لإحلال السلام، وهو بالطبع ما يشكل تحدياً شخصياً للرئيس أوباما وعقبة كبيرة في سياسة إدارته الخارجية؟
أيضاً الأصوات اليهودية الأمريكية لم تأل جهداً في مهاجمة الرئيس أوباما والعديد من المحافظين الجدد في إدارته كشفوا عن ذلك وها هو اليوت ابرامز اتهم في مقال له في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية إدارة الرئيس أوباما بأنها تسيء لمعاملة إسرائيل والابتعاد عن مناصرتها والدفاع عنها وكذلك الديمقراطية (دانيال بلتيكا) ومديرة معهد المؤسسة الأمريكية الحقوقية، حيث عبرت عن خوفها من انجراف الرئيس أوباما في الابتعاد عن إسرائيل.
كما حذر روبرت ساتلوف رئيس معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط من أن نهج الرئيس أوباما ضد إسرائيل وابتعاده عنها سيكون من الأخطاء الفادحة وما على الإدارة الأمريكية الحالية سوى التراجع كي تعيد لنفسها خيار العودة إلى حليفها وشريكها الاستراتيجي في المنطقة إسرائيل وليس أحد سواها حسب قوله: نعم هذه هي لعبة سياسة توزيع الأدوار بين واشنطن وإسرائيل طالما أن العدد الصهيوني لديه هذه السياسة الثابتة لتهويد فلسطين ولطالما أنه يلقى الدعم اللامحدود والمساندة الكاملة من واشنطن ودول الغرب، ولذا فهو جراء هذا الدعم لن يتوانى على الإطلاق في مواصلة سياسته تلك وفي قضمه الحقوق العربية والمقدسات الإسلامية.
ومثل هذه السياسة هي بالتأكيد ليست سوى جزء من مشروعه الصهيوني لخلط جميع الأوراق من جديد وتضييع وتمييع الجهود التي تبذل من أجل ما يسمى عملية السلام في المنطقة وتوجيه الضربات إليها تارة عبر بوابة الاستيطان وتارة أخرى عبر قرارات استفزازية كالتي تخص الأماكن الإسلامية المقدسة بهدف تهويدها وفقاً لرؤية وأدبيات الصهاينة.