ومنذ بداية القرن الماضي حتى يوم الناس هذا ممنوع عليهم موقفهم الموحد، ومنهجهم الموحد، ومشروعهم الموحد، وتنهبهم مشاريع الخارج، وتعيقهم ضغوط العوامل الخارجية عن أي إنجاز يوفر لهم عوامل الوجود السيادي أسوة بالأمم الأخرى، وطالما أن المشروع الصهيوني زرع لهذه الغايات فقد آن أوان العرب أن يقبضوا على آليات حراكهم المفيد لهم وتحركهم المشترك نحو تحدياتهم المشتركة من قبل الكيان الصهيوني والداعمين له.
في إهاب كل مؤتمر هنالك واقع تحضير الأجواء الخاصة بانعقاده ودخوله ثم نتائجه، وما هي منظومة العمل العربي العربي بعده، ولعل الممهدات الأساسية لانعقاده تمر عبر تصفية البيئة السياسية العربية من الخلافات الثنائية ومن ثم خلق المقاربات المستلزمة للحوار العربي المنفتح على كافة الآفاق الحاضرة، والقادمة والتأهيل الجمعي للنظر بمسؤولية لما يحلم به المواطن العربي، من منظور أنه كلما اقتربت قرارات المؤتمر من حلم المواطن العربي وشارعه ونبضه، جاء المؤتمر بأفضل النتائج.
وبناء عليه كانت إجابة السيد الرئيس بشار الأسد للصحفيين في ختام أعمال مؤتمر سرت حول كيفية تقويم هذه القمة وأعمالها بأن من يقومها هو المواطن العربي وأضاف السيد الرئيس بأن سورية قد تقدمت بمبادرة إلى مؤتمر القمة حول آلية جديدة لإدارة الخلافات العربية، وتتطلع نحو مأسسة العمل في المنظومة العربية الجديدة، ثم آلية جديدة لانعقاد القمة العربية، وطرح المبادرات قبل انعقادها بفترة كافية لضمان نجاحها، مشيراً إلى أن الكثير من الخلافات سببها طريقة تعاملنا مع القمة، وليس القضايا ذاتها، وأضاف السيد الرئيس أنه في هذه القمة لم يكن هنالك عودة إلى الوراء وفي العام الماضي تحققت أشياء كثيرة في العلاقات العربية- العربية ولن تظهر نتائجها الآن.. ربما لاحقاً، وفي موضوع السلام وشروط تحقيقه مع «إسرائيل»، أكد السيد الرئيس أننا لا نثق «بإسرائيل»، ولا نعتقد أنهم يريدون السلام، لذلك نقول: إن الذراع الآخر لتحرير الأرض هو المقاومة، وتابع السيد الرئيس بأنه لا توجد شروط بل توجد حقوق، وهناك فرق بينهما، فالحقوق لا يساوم عليها، ولا يتنازل عنها، وليست موضوع نقاش، والحقوق هي الأساس الذي ننطلق منه في عملية السلام.
وقد كان السيد الرئيس بشار الأسد قد التقى العقيد معمر القذافي قائد ثورة الفاتح قبل مغادرته ليبيا، فأعربا عن رضاهما عن القرارات التي صدرت، وخصوصاً تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي، وكانت القمة قد اعتمدت قرارين مهمين: الأول: دعم جهود الشعب السوري، الفلسطيني، واللبناني لتحرير أراضيهم المحتلة، والالتزام بوقف كل أشكال التطبيع مع إسرائيل والثاني: تطوير منظومة العمل العربي المشترك وتوفير الامكانات بما يسمح لها بواجباتها وتحمل مسؤولياتها وتحقيق المصالحة العربية.
ومن المعروف عبر التاريخ العربي الحديث والمعاصر أن الخلافات العربية كانت سبباً دائماً في تعطيل نتائج أي مؤتمر عربي، أو لقاء وأن عدم قدرة العرب على الوصول إلي آلية ناجحة لادارة الخلافات العربية لن يدخلهم فيما يستجيب لمهام التحديات الكبرى ويعطل المشتركات العربية دوماً، فهل دوام مثل هذا الحال سيكون في مصالح العرب العليا؟ من هنا إن ما رأته سورية وهي تنطلق من موقع الأمة في صراعها مع عدوها الصهيوني وتتوسل الحكمة في إدارة العمل المشترك قد اتضج عبر مبادرتها لحل الخلافات العربية بالتركيز على مفهوم العائلة العربية الواحدة. وعدم ترك اللجوء إلى الخارج يدفع بالخلافات نحو المزيد من السلبية، وصولاً إلى تعزيز روح الالتزام بميثاق جامعة الدول العربية وتكريس لغة الحوار مهما بلغت درجة الاختلافات وجعله نهجاً ووسيلة للوصول إلى التوافق.
ولقد كانت صورة سورية دائماً حريصة على تجميع العرب وتجمعهم وحريصة على تنقية الأجواء والمصالحة العربية وهذه السمة هي من أهم السمات المطلوبة في الاستجابة لنبض الشارع العربي، فالشارع العربي يحركه الضمير القومي الذي حين يستيقظ تزول معه كافة الحدود والفواصل وهذا ما يحرك سورية باتجاه أمتها والشارع العربي ينطلق من المشروع العربي الوحدوي التحرري الديمقراطي في مواجهة المشروع الصهيوني الاستيطاني العنصري الاحلالي وسورية تتمسك بالمشروع العربي وتعتبر أن واقع التجزئة هو الاستثناء في التاريخ والعودة إلى الوضع الطبيعي في الدولة الأمة هو الهدف ومن آفاقية الصورة القومية لسورية كانت حكمة العمل والمشاركة في القمة قد أوصلتها إلى تبني العناوين الكبرى في بيانها حول قراراتها وإعلانها - إعلان سرت- وما يحتسب على الجو التفاؤلي في منظومة العمل العربي القادمة حول توافق المؤتمرين على انعقاد قمتين عربيتين سنوياً نظراً للتطورات المتسارعة في الحالة العربية والإقليمية والدولية الراهنة. فمن قمة استثنائية إلى تكريس لغة الحوار وثقافة الاختلاف العربي ضمن العائلة الواحدة إلى دعم الحقوق ووقف أشكال التطبيع مع العدو إلى التعاون البيئي والتنموي إلى تمكين الشباب والاهتمام باللغة العربية، إلى حظر انتشار الأسلحة النووية إلى رابطة لدول الجوار، إلى حماية القدس التي هي شعار المؤتمر، إلى الانفتاح في العلاقات على الدول والمنتديات العالمية، كانت نتائج مؤتمر القمة الثانية والعشرين في ليبيا وازدهت فيها بألوان عربية وحدوية أصيلة سياسة القائد العربي السيد الرئيس بشار الأسد، فصورة سورية دوماً هي صورة الأمة المقاومة في الخندق والتاريخ.