وأبو المهدي المهندس التميمي نائب قائد قوات الحشد الشعبي في العراق ومعهما ثلة من رفاقهما، هذه الجريمة هي جزء عضوي من ظاهرة بنيوية هي المؤسسة والناظمة لمنطلقات السياسة الأميركية وقواعد تطبيقاتها منذ وجود الدولة الأميركية ذاتها، فالولايات المتحدة بنيت في الإرهاب والتمييز العنصري واعتناق مبدأ العدوان ونهب ثروات الشعوب، الأمر الذي يذهب بنا نحو التعامل النظري والتطبيقي في تحليل الجريمة الراهنة على أنها تعبير عن القيم الأميركية المؤسسة والمحركة باعتبار هذه الجريمة تكمل ما سبقها من جرائم فردية أو جماعية والتاريخ يحتفظ بها جميعاً وباعتبارها ظاهرة متكررة ومتجددة ومفتوحة على ما بعدها كما حدث مباشرة في اليوم التالي لاستهداف رتل من الحشد الشعبي العراقي في منطقة التاجي قرب بغداد، وهنا يقع الفصل الأهم في تحديد هذا السلوك وتحليله واستخراج مواده المدمرة والغريبة عن كل تجمعات البشر إلا عند الغرب الإمبريالي وأميركا في المقدمة وعند الكيان الصهيوني، وكذلك عند الممارسات الإرهابية الهمجية التي خبرناها جميعاً على مدى عقد من الزمن حتى الآن، وهذا ما يدفعنا إلى وضع الأمور في نصابها لكي تستقر التوقعات في نصابها أيضاً وهناك ثلاثة عوامل في هذا الاتجاه:
1- إن الجريمة عبر أشكالها في احتقار الآخر وسفك دماء البشر ونهب خيرات بلادهم هي منهج متكامل في السياسة الأميركية تبدأ من العقيدة الأميركية، وقد رأينا تجلياتها المرعبة في تأسيس هذه الدولة الطارئة بدءاً من القرن الثامن عشر وعلى مدى تناوب خمسة وأربعين رئيساً أميركياً كانوا دائماً في هذا المسار فيما عدا النادر منهم، ومعلوم أن القيم الأميركية والسياسات الأميركية مستقرة ومستمرة وكل الذي يحدث على مسارها هو استيعاب التطورات الناشئة بين مرحلة وأخرى على مستوى العالم والكاريزما الخاصة بكل رئيس أميركي عبر هامش يعمق الجريمة وأفكار الاستعلاء ويضيف (مآثر) جديدة في الأداء الأميركي السياسي والعسكري، والعالم مازال يذكر باستغراب قصة قصف هيروشيما وناغازاكي في اليابان، وقد استلم إمبراطورها بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية في آب من العام 1945، كانت الرسالة الأميركية آنذاك تقوم على فكرة جهنمية تقول بأن إلقاء القنابل النووية على اليابان وبالنتائج المرعبة التي نجمت عن ذلك، إنما يقصد منها توجيه رسالة إلى كل العالم بأن هناك قوة غربية صاعدة مسلمة بأنياب وأظافر وبسلاح مدمر جديد وبمناهج فكرية جديدة وعلى العالم الغريب من أميركا أو النائي عنها أن يضبط وجوده ومصيره بناء على مناهج وأوامر هذه القوة الغاشمة والداخلة للتو على حياة شعوب الأرض، وهذا مجرد مثل تكرر في جنوب شرقي آسيا وفي الصومال وفي أميركا اللاتينية وهو يتكاثر ويتوسع في هذا الزمن في الوطن العربي على وجه الخصوص وما الجريمة الراهنة بتداعياتها وما سوف يتبعها إلا استمرار لهذا الخط الذي تحول فيه الإرهاب الأميركي إلى ثقافات وإلى طبع وطبيعة.
2- كان في عمق ومقومات البنية الإرهابية الأميركية هذا الاعتماد على الخداع والتزوير وقلب الحقائق والبحث عن العملاء أفراداً كانوا أم جماعات أم أنظمة أم تنظيمات إرهابية وهذه جميعاً من المستلزمات البنيوية التي يجري تنفيذ الهمجية الأميركية من خلالها ويدخل في تفاصيل ذلك أن تلجأ أميركا للحصار الاقتصادي وسياسة التجويع ومنهج الفتك الجماعي بالشعوب دون تردد ودون حساب أو احتساب للآثار والتداعيات التي سوف تنفجر بعد ذلك.
3- وفي عامل مؤسس آخر تتجلى نمطية المتاجرة والمزايدة بواقع البشر وبالمثل الديمقراطية والإنسانية والدينية كذلك وواضح الآن أن هذه العناوين هي التي تنتظم عبر مجمل ساحات ومساحات الإرهاب الأميركي وفي مجمل هذه العوامل ومنها نستطيع أن نستطلع الأيام القادمة بعد الجريمة الراهنة وأن نستشرف مقوماتها العامة وتطبيقاتها، ونحن نعلم والعالم كله يعلم وأصحاب القرار في أميركا ذاتها يعلمون بأنهم لا يملكون هذه الإمكانية وهذه الحساسية في مغادرة منطقة الظلم والظلام والاستقرار على خطا وقواعد تستطيع أن تكون أميركا وسياستها عاملاً له حضوره في استقرار البشر والدخول في التضامن الإنساني بحثاً عن سعادة الجميع، إن ذلك هو المستحيل بعينه ولا يتبقى أمام الشعوب الباحثة عن وجودها ومصيرها وسيادتها سوى أن تأخذ بزمام المبادرة وتواجه الموت بكل الأسلحة.