«الرابعــة بتوقيــت الفردوس».. عبث الحياة..
ثقافة الثلاثاء 7-4-2015 فؤاد مسعد الموت المجاني وهلوسة جنون الحياة التي تجعل من فنانة مرهفة الحس ضحية لعبوة ناسفة، وزوج يقهره الفقر الذي يحول بينه وبين ثمن دواء زوجته ولكن طعنة (موس) تكون الأسرع لتنهي رحلته المحملة بالآلام،
وامرأة مسنة لاتزال تعيش فترة رومانسية عبد الحليم حافظ منفصلة عن الواقع وأوجاعه.. تلك الآلام وأكثر ربما تشكّل المخاض المؤلم والقاسي لولادة جديدة وقيامة مدينة أبدية يعجز المتربصون عن النيل منها، هي دمشق الخالدة عبر التاريخ والمنبعثة والمتجددة دائماً، تلك المدينة المغرقة في الأصالة والقدم التي صيغت عنها الكثير من الأساطير والحكايات، لا تشيخ ولا تموت مهما مر عليها من محن.. هي شذرات أفكار يؤكد عليها فيلم (الرابعة بتوقيت الفردوس) سيناريو وإخراج محمد عبد العزيز وإنتاج المؤسسة العامة للسينما، الفيلم الذي كان عنوانه المبدئي (ملائكة النهار) أتى مشغولاً بكثير من الذكاء والدقة ويعج بالمدلولات والرموز، هي محاولة سينمائية للتغريد خارج السرب تصيغ مفرداتها من عمق الواقع بتكثيف رغم تعدد خطوطها، يلتقط المخرج ما يخدم فكرته ليقدمه بصيغة تحرض المتلقي على التفكير والذهاب بها إلى أفق أبعد من كونها صورة فجائعية عن الواقع الأليم.
تدور الأحداث خلال سبع ساعات فقط لتنتهي عند الرابعة بعد الظهر، نتابع خلالها إرهاصات لأحداث تدور مع عدد من العائلات والنماذج التي اختارها المخرج بعناية، منها المثقف والمعتقل السياسي السابق، الفنانة المبدعة والحالمة، الشاب الساعي إلى السفر مع عائلته هرباً من الموت، عامل الرافعة الرافض للمغادرة، المرأة المصابة بالسرطان التي تنتظر الموت، الرجل المدقع الفقر الذي يختار أن يجر عربة الحنتور خاصته بعد موت حصانه فيأخذ مكانه في مشهد شديد التأثير محاولاً إنقاذ عائلته.. إضافة إلى نماذج أخرى كان لها دورها في استكمال اللوحة الفسيفسائية المُقدمة، إلا أن المستشفى كمكان شكّلت موقع اللقاء فيما بينها، ولكن لم تكن الحكايات بمفهومها السردي النمطي هي الأساس وإنما المقولة والجرأة والدلالة والأفكار هي التي صنعت الفيلم، أما الحكايات التي قد تلتقي مصائر شخصياتها هنا أو هناك فجاءت حاملاً تم توظّيفه لإيصال الفكرة، كما عمد المخرج إلى تكنيك سينمائي جديد على السينما السورية، بحيث جمع الذُرا من كل حكاية وقدمها في بداية الفيلم ليعود من جديد ويقوم بعملية إعادة بناء كل قصة على حدى لنرى تقاطعها مع القصة الأخرى في المشهد العام للفيلم، هي لوحة مفككة الأجزاء أعاد المخرج بناءها وتركيبها وفق رؤية خاصة قد نتفق معها في جزء أو نتخلف في جزء آخر، ولكن يبقى أن الفيلم قدم رؤى هامة والعديد من الرموز من الأفعى والرمان إلى الرقص بثوب ناصع البياض فوق حبات الرمان الأحمر، كاسراً العديد من التابوهات أو ما اعتقد البعض أنها تابوهات فابتعدوا عنها، حاول الولوج إلى المختلف، هناك القبلة التي غابت عن الفيلم السوري لسنوات كثيرة، ولكنها هنا هي القبلة التي تحاول بث الحياة في جسد ينتظر الموت ويحاول تلمس بعض إحساس في عالم متخشب العواطف، قدم الصراع الذي يعاني منه البعض بين محبتهم الغامرة وخضوعهم لتقاليد موروثة وسلطة أبوية (دور الأب).
كل عنصر من عناصر الفيلم كان مشغولاً بعناية، فالمونتاج ظهر بطلاً يغير ويبدل في الرؤى عبر تقطيع المشاهد وإدراجها وفق مونتاج محدد لإبراز الفكرة المراد إيصالها، والموسيقا كانت بطلاً عبر المعزوفات المؤثرة المُقدمة على آلة (الدودوك) فلامست شغاف الروح، كما قدم المخرج لقطات قريبة نرى فيها مسامات الجلد والنفس يخرج ويدخل إلى صدر صاحبه، نتلمس فيها قطرات العرق المتصبب من جسد يبحث عن الحياة أو ربما يريد الاستسلام إلى الموت بعيداً عن الضجيج، ومريضة سرطان تستهزئ بالموت عبر مشهد تجلس فيه على شرفة شاهقة العلو غير آبهة، يضاف إلى ذلك كله مشهد الاعتراف والتطهير حيث تحولت البحرة في المنزل الدمشقي إلى بوابة نلج منها إلى ولادة جديدة تضم آدم وحواء والخلق الأول، الفيلم الذي عانى من الإطالة في بعض مفاصله وخاصة في الربع الأخير، استطاع أن يقدم اقتراحاً سينمائياً مختلفاً حتى على صعيد التمثيل، فكان كل ممثل في مكانه متشبعاً من شخصيته يقدمها من عمق روحه بما تضج به من إحساس وحياة وألم.
|