وبما يستنزف الجميع بلا استثناءات، حتى إن الحلفاء المغلوب على أمرهم صاروا مُستنزَفين، وربما باتوا يشعرون بالألم، ومؤكدٌ أنهم يستشعرون اليوم خطورة السياسة الأميركية على أمنهم ومصالحهم، غير أنهم يجدون أنفسهم ربما بلا حيلة، عالقين بين مطرقة الحلم الإمبراطوري الأميركي، وبين سندان ضعفهم الذي اختاروه وقدموه لواشنطن.
أوروبا ليست أكثر أمناً ولا ازدهاراً ولا نمواً مع أميركا، والخليج المُستنزَف الذي موَّل ويموِّل كل حروب أميركا قد يكون عقلاؤه، وليس فقط حكامه الذين يلتحفون عباءات التخلف والجهل، يشعرون اليوم بآلام الذبح الناعم الذي ستمارسه الإدارة الأميركية معهم، خصوصاً بعد أن كشف أوباما عن أن الخطر الذي يواجه ممالك وإمارات النفط والغاز هو سخط الشباب الخليجي، وليس أي شيء آخر، فما الكمائن الأميركية الجديدة التي تخطط واشنطن لنصبها في الخليج للشعوب والحكام، وما الألغام التي زرعتها هناك وتُحذِّر منها اليوم كي تُوجَه لها دعوات رسمية مع الرجاء لحضور أكبر هدفه التفكيك!.
اليمن كمين وقعت فيه مصر المُعطلة اللاهثة خلف البترودولار، لكنه اللغم الأميركي الذي سينفجر بالخليج والمنطقة فيشظّيها، خاصة أن الجدل الدائر بين المتورطين بالعدوان حول ضرورة التدخل البري من عدمه آخذ بالتصاعد، وخاصة أن البحث ما زال جارياً عن متورطين من غير العرب والأعراب ربما لضمان تمدد واتساع الجبهات التي توفر لأميركا ساحات أوسع للعبث بها.
باكستان لا تنقصها المشكلات، وهي غارقة في صراعات داخلية صعبة، ستُعقدها استجابتها المحتملة لدعوات التدخل في اليمن، وتركيا التي كانت مُرشحة لتكون قوة إقليمية مؤثرة تحوَّلت بقدرة عابث أميركي وواهم عثماني إلى ساحة تأهيل للإرهاب وإلى ممر حصري له، وإلى طرف متخصص بتأجيج الفتن والاضطرابات، وإلى داعم أساسي لمشاريع الهدم الصهيوأميركية في المنطقة والعالم.
الاصطفافات خلف أميركا بذريعة ومن غير ذريعة هي بذاتها لغمٌ استجلبته كمائن وألغام أميركية سابقة فكانت الضمان لنصب وزرع أخريات تحقيقاً لمكاسب أكبر، وسعياً لإنبات قواعد عسكرية أكثر. فهل يزرع الأعراب والعثمانيون باصطفافاتهم هذه غير الريح التي ستأتيهم بالعاصفة؟ وهل تدرك أميركا أن سكرات الموت التي ستُكابدها زمرة الحلفاء والأدوات - كنتاج حتمي لسياسة التخلي عن المُحترق منهم التي تمارسها معهم - قد لا تمتد في الزمن كفاية بما يوفر لها الوقت لصناعة حلفاء وأدوات بديلة؟.
غداً أو بعد غد، ستبتلع عباءات الخليج الطُعم الأميركي الجديد، وقد تشعر بمرارة هي أشد من العلقم، وستقع باكستان في خطأ استراتيجي إذا استجابت للسعودية، وسيكتشف أردوغان أن طهران أكثر صلابة مما توقع، ومتأخرة ربما ستتعرف أوروبا العجوز على أسباب عجزها، وستُثبت روسيا مجدداً أن التطاول عليها خط أحمر، وربما حتى قبل أن تتعافى سورية من الإرهاب، سيكتشف العالم مرة أخرى أنها عمود السماء ومفتاح المشرق.