وفي أي قراءة للهجمتين، تبرز مسألة الهوية التي للعقيدتين العسكريتين المتصارعتين على أرض سورية.
فالضد يظهر حسنه الضد.
استهداف مدارس أبناء الشهداء، وصواريخ أرض-جو، ينتمي إلى عقيدة عسكرية معادية للوطن، فوق أنها معادية للنظام السياسي القائم.
بهذا الاستهداف يفتقد المعمار النظري لخطاب «معارضة» وطنية، تماسكه، ومشروعيته، وقابليته للحياة.
ركن الأساس في هذا المعمار يتكون من عنوان أن «المعارضة» انطلقت سلمية في آذار 2011. وأن النظام القائم جابهها بالعنف، ما اضطرها لحمل السلاح «دفاعا عن شعبها»!!!.
وعلى الرغم من أن هذا العنوان ملفق، ومجاف للوقائع، بقرينة قائمة الشهداء الطويلة الناشئة عن استخدام هذه «المعارضة» للسلاح منذ الأيام الأولى لانطلاقة «الربيع» الإسلاموي في سورية، فإن ثمة عقيدة عسكرية-سياسية استوجبت هذا التلفيق، هي واجبة التعيين في الطور الذي بلغته عدوانية «المعارضة» على البنية التحتية، وبالرمزية في استهداف مدارس أبناء الشهداء وسلاح صواريخ أرض-جو.
بصمة الهوية في هذا الاستهداف علامة فارقة في قائمة مكونات: المشروع الصهيوني.
سلاح صواريخ أرض-جو ليس طرفا في صراع حكم-معارضة، من الناحية الفنية المحض.
ولذلك فإن استهدافه يقع حصريا ضمن مهام وحدات الكوماندوس الخاصة بالعدو الصهيوني، التي يمكن للعدو انزالها بالمظلات خلف خطوط الجبهة السورية.
وبهذه العلامة الفارقة الشائنة لجبين «المعارضة» المسلحة في سورية, نستدل على هوية التحالفات المنخرطة في الصراع داخل سورية وحولها وعليها.
فلقد كان متوقعاً أن يكون هناك اصطفاف تقدمي على امتداد العالم يعاضد دمشق في حربها الدفاعية ضد عدوان صهيوني-رجعي, استطاع نقل المعركة إلى خلف خطوط سورية.
تبرز في هذا الاصطفاف التقدمي دول «البريكس», وبلدان التحرر الوطني المكتوية بالنار الإمبريالية, وقوى اليسار والتقدم, تتصدرها الأحزاب الشيوعية, في أربع رياح الدنيا.
وفي الخندق المضاد, تقف الدول الإمبريالية جنبا إلى جنب مع القوى الرجعية الظلامية.
وما يجب استخلاصه من الانقسام على هذا النحو, إلحاح المراجعة النقدية الشاملة لتصويب العلاقة داخل سورية والوطن العربي, بين مكونات الخندق التقدمي, في الصراع العابر للحقب مع الإمبريالية وحلفائها الرجعيين الظلاميين.
ومن دون أن تستغرقنا تفاصيل العلاقة المتوجب تصويبها بين القوى القومية التقدمية واليسارية, في إطار هذه المراجعة, نتوقف عند الرسالة التي تبلورت في الساحة المصرية, إلى كل من يعنيه الأمر في الإقليم والعالم.
لقد كانت الوقفة الشعبية التقدمية أمام ضريح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 28/9/2012, بحضور عبد الحكيم عبد الناصر وحمدين صباحي وشخصيات عامة, حصيلة مراجعة لأداء هذه القوى في المرحلة التالية على خلع مبارك, والتي تناهت إلى هيمنة الإسلامويين على الحكم, لا لضعف في القوى المدنية بل لتشتتها.
أثمرت المراجعة في 12/10/2012 التوجه إلى ميدان التحرير تحت شعار: «لا لحكم المرشد»؛ الشعار المعبر عن أوسع اصطفاف للقوى المدنية: العلمانية والقومية واليسارية.
وفي ميدان التحرير, حاول الإسلامويون احباط رسالة المراجعة الشعبية هذه بأبلسة تحاول بناء شرعية في الشارع مضادة للشرعية الدستورية. تحددت معالم هذه الأبلسة في اعتماد خطاب اخواني يحتكر صوت الدفاع عن شهداء ثورة 25/1/2011, بحديث مرسي عن أن القتلة لن يفلتوا من القصاص, في محاولة منه لإضفاء الشرعية على اجراءات أخونة الدولة, وفيها عزل المشير طنطاوي, والفريق سامي عنان.
بيد أن اجراء عزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود, تناهى إلى كشف الصبيانية في نهج اخونة الدولة. لأن الإجراء باطل دستوريا بمقتضى المادة 119 من قانون القضاء. أي إن الرئيس تجاوز صلاحياته الدستورية, للمرة الثانية بعد قراره إعادة مجلس الشعب, الذي قضت محكمة القضاء الإداري, ببطلان قرار الرئيس في شأنه!.
اتهام القيادي الإخواني صفوت حجازي لممثلي القوى المدنية المصرية المتجهة إلى ميدان التحرير, بأنهم «يحاربون الله», لا يبلور رسالة يعتد بها إلى أحمد داود أوغلو, الذي تبنى ورشة «الشرق الأوسط الجديد» علنا في 4/10/2012. بالتعاون مع مصر المؤخونة و«دول أخرى», تتطابق القرائن على أن «اسرائيل» بينها.
النواة الصلبة الإخوانية في مجلس اسطنبول السوري هي المعنية بالإحباط الناشئ عن تهافت أبلسة اخوان مصر, بعد بلوغ الحكم, في الاحتفاظ به دون هزات ارتدادية تتلو المراجعة الشعبية عند ضريح عبد الناصر, والمراجعة في سورية بعد انكشاف التموضع الإسلاموي في الخندق الصهيوني.
تهافت حسابات الإسلامويين المصريين والسوريين محصلة الطاقة الاجتماعية التقدمية, النابذة لهوية الإسلامويين الرجعية.
وإلى هذه الطاقة الاجتماعية يعود الفضل الأعظم في محاصرة التيارات الرجعية, وفيها الإسلاموية, طيلة التاريخ الحديث لسورية ومصر.
ولذلك فإن مهمة التيار التقدمي في البلدين أشمل من الفضح إعلاميا لارتباط التيار الرجعي بالنظم الإمبريالية, وعبرها: اكراه المجتمع على الارتهان لعجلة السوق الرأسمالية, وأخطبوط البنك وصندوق النقد الدوليين, بل هي إضافة إلى ذلك مراجعة نقدية تتكون من تظهير المشتركات بين القوى القومية واليسارية, وإعادة ترتيب الأولويات, ترتيباً يستنهض الطاقة الاجتماعية التقدمية, بوصفها الحاضنة المجربة في تكوين المناعة القومية, ضد العدو القومي والطبقي.
وعلى مراجعة نقدية صارمة تحدد لماذا كانت فصائل هذا التيار التقدمي تختلف, من أجل أن تتفق, يتوقف مصير التطور اللاحق في «بحر النيل وبر الشام», وبشكل خاص: مصير «الشرق الأوسط الجديد», الذي آل دور المتعهد فيه من كوندوليزا رايس إلى أحمد داود أوغلو.
Siwan.ali@gmail.com