لكن الحالة بكل واقعية تفترض التوقف عند مختلف القطاعات التي يتشكل منها الاقتصاد السوري، في الزراعة والصناعة والتجارة وفي السياحة، ومن الضرورة التوقف عند قطاع الخدمات في المصارف والتأمين وغير ذلك من المكونات.
في الحقيقة.. وإن كان الاقتصاد السوري يبدو مدهشاً للغاية بسبب صموده غير المسبوق أمام هذه الأزمة المريعة، وهذه الأحداث القذرة المُرسلة إلينا من الخارج بلبوسٍ داخلي، فإن هذا الإدهاش يعكس في حقيقة الأمر صلابة اقتصادنا الوطني وقوته، سواء توافق هذا مع تنظير المختصين أم لم يتوافق، ونعتقد أن أي منظّر في العالم يكون مخطئاً ومثيراً للسخرية إن خرج بنتيجة أن بلداً صغيراً – بالحجم – كسورية يتعرّض إلى عقوبات أمريكية وأوروبية وعالمية أخرى وعربية، فحظروا التعامل مع بنوكه ومع مصرفه المركزي، ولا يدّخرون – هؤلاء كلهم – جهداً في منع أي شيء عنه، حتى تحويل الأموال صار أمراً ممنوعاً ولدرجة أن استخدام بطاقات الفيزا كارد العالمية صارت ممنوعة فيه أيضاً، فضلاً عن الحصار المطبق الذي تمارسه العديد من الدول المجاورة بشكل معلن وغير معلن، حيث منعوا عنه كل شيء ممكن ولو استطاعوا لمنعوا عنه الهواء الذي يتنفسه، وفوق هذا كله خلقوا له تلك الأحداث الدامية والمشاكل الداخلية ليضربوا من خلالها البنى التحتية والمقدرات الاقتصادية، ويعرقلوا دورة الحياة فيه، واستمات ( الأشقاء ) الأعداء بدعمهم بالمال والسلاح من أجل تخريب البلد وبلا هوادة.
«الثورة» ستتناول بشكل موضوعي القطاعات السابقة بإيجابياتها وسلبياتها خلال الفترة القادمة.
العــــرقلـــــــة مســــــتمرة.. والبــــدائل متـــوفــــرة
الثورة – علي محمود جديد:
إن أي منظّر يقف أمام هذه الوقائع الحاصلة فعلياً، سيكون مثيراً للسخرية حقيقةً إنْ خرج بنتيجة يتوقع فيها بأن مثل هذا البلد لن ينهار خلال شهرين أوثلاثة، ولكننا مهما بلغوا من الدهشة والغرابة فما زلنا في سورية هكذا.. صامدون، وهذه هي الوقائع أمام الجميع تحكي وبوضوح، وعلى الرغم من المخاوف عند البعض فإن الوقائع تكاد تجزم بأننا مستمرون في الصمود أيضاً، صمود غير مسبوق هو الآخر، لذلك لن نكون مجافين للواقع ولا خياليين إن أبدينا تفاؤلاً بهذا الاقتصاد الذهبي الذي وعلى الرغم من حملات التشويه الإعلامية أيضاً التي انضمت هي الأخرى إلى تلك العقوبات والمواقف بقي واقفاً على رجليه وبقوة.
لذلك سنتفاءل وبقوة رغم كل الجراحات والضربات القاسية، وتفاؤلنا هنا يأتي موضوعياً كي نتمكّن من مواكبة هذا الاقتصاد الكفوء والفعّال وننسجم مع حالاته الغريبة البعيدة عن المألوف، لأنه هو كذلك.
سنتناول في هذه المادة أثر الأحداث على قطاع النقل، وأثر قطاع النقل على اقتصادنا الوطني، لاسيما وأنَّ النقل هو عصب الاقتصاد بمختلف أصنافه البري والبحري والجوي والسككي، لاسيما في بلدٍ كسورية تعتبر عقدة تلاقي ضخمة بين مختلف أرجاء العالم، والواقع لو راجعنا تاريخ الاقتصاد السوري لرأينا أن قطاع النقل كان هو السبيل لأهم الواردات السورية خلال الاحتلالين البغيضين (العثماني والفرنسي) لسورية، وبشكل خاص من خلال النقل البحري والنقل البري الذي استطاعت سورية من خلال شاحنات العبور فقط (الترانزيت) أن تحقق الكثير الكثير من الواردات تفوق مختلف وارداتها الأخرى المكوّنة لاقتصادها العام الذي كانت قوته ما تزال كامنة، من هنا يمكننا أن نتلمّس أهمية النقل بأصنافه المتعدّدة، ومختلف هذه الأصناف – وبكل أسف – ضُرِبت في سورية خلال هذه الأزمة سواء من الداخل بالنسبة لطرق النقل البرية والسككية، أم من الخارج بالنسبة لخطوط النقل البحرية والجوية.
أثر الأحداث على قطاع النقل
انعكست الأحداث الدائرة في سورية بشكلٍ بليغ على قطاع النقل، فبالنسبة للنقل الجوي صعّدت الولايات المتحدة الأمريكية من عقوباتها على سورية بعد أن كانت قد بدأتها منذ العام 2003 عند قيام الرئيس الأمريكي السابق ( جورج بوش ) بتوقيع قانون محاسبة سورية، وقتما رفضت سورية الخضوع لإملاءات واشنطن بعد احتلالها للعراق، حيث انعكس هذا القانون على مناحٍ عديدة كان من أبرزها قيام الولايات المتحدة بعد ذلك بوضع العراقيل أمام سورية عندما احتاجت قطع غيار لأسطولها الجوي من طائرات الإيرباص الفرنسية الصنع، غير أن الولايات المتحدة استغلّت بذلك امتلاكها حصة في شركة الإيرباص مكّنتها من إحداث هذه العرقلة بالفعل، ومنذ ذلك التاريخ وإلى اليوم ما تزال هذه المشكلة قائمة، لدرجة أن أغلب طائراتنا من هذا الصنف قد تعطلت الآن بانتظار حل هذه المشكلة.
وجاءت الأحداث لتزيد في الطين بلّة حيث انتخت العديد من الدول الأوربية وتلك التي تسمى بالعربية وعمدت إلى حظر التعامل مع السورية للطيران فتعقّدت الأمور كثيراً، فتعرقل السفر وعمليات الشحن الجوي بشكل كبير استيراداً وتصديراً، ولكن ومع هذا كله فالسورية للطيران كثّفت نشاطها على الخطوط الداخلية واستمرت ببعض الخطوط الخارجية وهاهي اليوم تفتتح خطوطاً جديدة وقريباً ستبدأ بضم طائرات جديدة روسية إلى أسطولها.
أما الخطوط البحرية فقد ساهمت المواقف الجائرة والجاهلة لبعض الدول الأوروبية بتجميد العديد منها لعدم جدواها، وقد نجم عن تعطيل الخطوط البحرية والتضييق عليها إعاقة متعمدة لحركة التجارة الخارجية استيراداً وتصديراً أيضاً، ليبدأ البحث عن خطوط جديدة وهذا أمر مربك جداً، غير أننا بدأنا بتحديد الوجهات والخطوط الجديدة وهذا يعني البدء بتجاوز المحنة.
الخطوط الحديدية تعرّضت من الداخل السوري – كما هو معروف – لجملة اعتداءات على شبكة السكك حيث جرى تفجير مقاطع منها، وتفجير بعض الجسور الحاملة لها أيضاً، كما أصيبت العديد من القطارات والعربات بالعطب فتعطل بالمقابل نقل الكثير من المواد وتوزيعها بالداخل وبشكل خاص مادتي الغاز والمازوت التي صار يجري تأمينها بالصهاريج حالياً فشبكة السكك الحديدية شبه مشلولة.
أما مسألة النقل البري بالشاحنات والباصات والسيارات فقد تقطّعت بها السبل، فهي تتعرّض لمخاطر كبيرة في بعض الأماكن نتيجة الهجمات المسلّحة التي تتعرّض لها فخفّت كثيراً، غير أنها لم تنقطع ولن تنقطع.
أثر واقع قطاع النقل على الاقتصاد
يرى محللون أن قطاع النقل يتأثر مباشرة إثر أي أحداث أو إرباكات من أي نوع، ويشكل النقل الطرقي عصب الحياة الاقتصادية في مجال النقل بسورية، ويستأثر بالحصة الأكبر من بين أنواع النقل الأخرى، ولكن وعلى الرغم من تعرّض هذا القطاع للضغط من مختلف الجوانب فإن حركة النقل مستمرة، وإن كانت بوتائر متوسطة، والحركة مستمرة بين المحافظات والأشخاص يتنقلون وكذلك السلع، فالخلل في العملية التسويقية وإن لمسناه أحياناً فإنها سرعان ماتعود للظهور لأنها متوفرة بالأصل ولكن يكون هناك عراقيل في الوصول والتسويق، ونشير هنا إلى عدم صحة ما يقال أحياناً بأنه لم يعد هناك استيراد ولا تصدير، وإن استوردنا أو صدرنا فلا أحد يستطيع نقل البضائع من المرافئ وإليها، وإن نقلت فالخطوط البحرية إلى الأسواق المعهودة غدت مقطوعة، في الواقع هذا الكلام غير صحيح، فالتصدير والاستيراد على قدم وساق وإن تخلل النشاط بعض العراقيل فهناك شحنات فردية تمت عرقلة وصولها إلى بعض الأسواق.
أخــــــــــيراً
على كل حال الوضع لا نُحسد عليه، وينعكس بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي إذ ينجم عن مثل هذا الوضع صعوبات جمة في تسويق المنتجات الزراعية وهذا يهدد بمخاطر عديدة منها نقص هذه المواد من الأسواق، وعدم القدرة على تزويد مصانع الكونسروة والصناعات الغذائية عموماً بالمواد الأولية اللازمة لخطوط إنتاجها، وبالتالي تعطيلها الذي سينجم عنه بطبيعة الحال نقص لتلك المواد الغذائية المصنعة، أو فقدانها، وهذا يترتب عليه أيضاً توقف خطوط الإنتاج وإغلاق المصانع ومن ثم ضياع فرص عمل كثيرة، هذا من الناحية الزراعية، وبإمكاننا القياس على ذلك، وكان السيد غسان القلاع رئيس اتحاد غرف التجارة السورية قد أشار منذ أيام إلى خطورة هذه المسألة التي قد تهدد فعلياً بإيقاف معامل الصناعات الغذائية.
ولكن وعلى الرغم من ذلك كله فأمورنا بخير.. أسواقنا متخمة بالمواد الأساسية وغير الأساسية، والسلع تنساب من الخارج إلينا، ومن عندنا إلى الخارج، ومع أنها تتعرقل في بعض المواضع على الطرق الداخلية فإنها بالنهاية تصل إلى مقاصدها، فليذهب المحللون وليغيروا من نمط معاييرهم التي لن تتناسب مع الوضع السوري الذي ليس كمثله وضع، إنه وضع يستند إلى مقدرات اقتصادية قوية، وعلى بنيان دولة بكل معنى الكلمة، وعلى أننا كشعب سوري فنحن أصحاب حق ندافع عن عزتنا وكرامة وطننا الذي هو أهم عندنا من شبكات النقل كلها والسلع كلها.. ولهذا ستبقى سورية بخير فعلاً شاء من شاء وأبى من أبى.. وهاهي.. فعلاً بخير.
بالأرقـــــام
دمشق - عبد اللطيف يونس:
تشكل نسبة مساهمة الإنتاج الزراعي حوالي 25٪ من الناتج الإجمالي، وتصل نسبة المشتغلين بالزراعة إلى 26٪، بينما تبلغ مساهمة المنتجات الزراعية بين 16 - 22٪ من إجمالي الصادرات.
وتحتل سورية المرتبة الرابعة عالمياً بإنتاج الزيتون حيث تجاوز عدد أشجار الزيتون 97 مليون شجرة ومساهمة قطاع الزيتون حوالي 3.5٪ من الدخل القومي.
وحسب آخر إحصائية للمكتب المركزي للإحصاء للعام 2010 فقد بلغت قيمة الإنتاج الزراعي بالأسعار الجارية لعام 2010 نحو 766.155 مليار ليرة، منها 468.821 مليار ليرة قيمة الإنتاج النباتي و 297.333 مليار ليرة قيمة الإنتاج الحيواني، وتبلغ حصة الحبوب بواقع 73.495 مليار ليرة والفواكه 178.488 مليار ليرة، أما الحليب ومشتقاته فقد بلغت قيمة الإنتاج 139.777 مليار ليرة.
وبلغت مساحة الأراضي القابلة للزراعة وغير المستثمرة منها 6.045 مليون هكتار والأراضي غير القابلة للزراعة 18.518 مليون هكتار في حين بلغت مساحة الأراضي المروية بالري الحديث 298 ألف هكتار، وشهدت المنتجات الصناعية تطوراً بالمساحة خلال العام 2010 172.4 ألف هكتار للقطن و 27.5 ألف هكتار للشوندر السكري و 10.3 ألف هكتار للتبغ.
وتطور عدد الأشجار المثمرة نحو 97 مليون شجرة زيتون و 33.373 مليون شجرة عنب و 2.689 مليون شجرة مشمش و 11.701 مليون شجرة تفاح و 6.577 ملايين شجرة فستق حلبي.
وتطور عدد الدواجن والأبقار وبلغ عدد الأبقار نحو 1 مليون بقرة عدد الإناث منها 750 ألف بقرة إنتاجها من الحليب 1.453 مليون طن وتحتل صادرات الأغنام المرتبة الأولى في ترتيب الصادرات الزراعية السورية، ما يعكس أهمية قطاع الزراعة وغناه وتنوعه حيث إن منتجاته بشقيها النباتي والحواني توفر احتياجات القطر وتصدر الفائض منها ما يشكل أساساً متيناً في الاقتصاد ومواجهة الأزمات والتقليل من آثارها السلبية.