تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


واقع الفلسفة العربية

حصاد الورق
الثلاثاء 27-8-2013
يمن سليمان عباس

إن الفلسفة يجب أن تتوجَّه اليوم إلى تكريس مفهوم جديد للتغيير، يستجيب لتطلعات الفئات العريضة في مجتمعاتنا العربية.

وأن تُنَبّه المجتمع العربي أفراداً ومؤسسات إلى أن الواقع الجديد يتطلب مفهوماً جديداً للتنمية، ذلك الذي يعتمد نظرة شمولية لطبيعة الإنسان العربي، بأن تأخذ بعين الاعتبار مختلف حاجاته المادية والفكرية. وهي ما أصبح متداولاً تحت تسمية «التنمية البشرية»، التي صارت من أكثر المفاهيم تداولاً في وقتنا الحاضر، وذلك بالنظر إلى أن دلالتها الشمولية لا تقتصر فقط على حصر عملية التغيير في جانبها الاقتصادي الضيق... بل تتجاوز هذا الجانب لتنصب بشكل أساسي على الإنسان، ولتجعل منه المحور المحرك لكل تنمية شاملة. ويضيف جمال حمود قائلاً:‏

وإذا لم يكن باستطاعة التقنية أن تُحقق التغيير بمعناه الشامل، فإن الاعتماد على العلوم التطبيقية أيضاً ليس بإمكانه أن يفعل ذلك بمفرده، فبقدر ما يُحرز العلم من تقدم فإنه يصير أكثر احتياجاً إلى مزيد من المعقولية، وهذا دليل على أن كل شيء لم يتحوَّل بعدُ إلى وقائع علمية، مما يعني أنه مازال للتفكير الفلسفي مجال في تجربة الإنسان. لأنه طالما أن العلوم كلها لم تستقر بعدُ، وطالما أن اللغة البشرية لم تبلغ بعدُ حد الدقة الكاملة، ولطالما أن حركة المعرفة لم تتوقف لأنها ما تزال تجد ما تتجه إليه؛ فعندئذ سيبقى للفلسفة وللميتافيزيقا مجال، وستبقى تغطي -حسب تعبير فؤاد زكريا- تلك الأرض التي لم يمتد إليها ظل العلم بعدُ.‏

وحتى لو كنا نُسَلِّم بالدور الكبير والمهم الذي تؤدّيه العلوم البحتة في ميدان نشر الوعي ومن ثم إحداث التغيير، فإن تدريس هذه العلوم في جامعاتنا بعيداً عن الفلسفة يواجه بعض الصعوبات، من ذلك ما أشار إليه الفيلسوف دومينيك لوكور في دراسة له بعنوان: «لماذا تدريس الفلسفة وتاريخ العلوم لطلبة التخصصات العلمية»، حيث قال: يوجد عدد كبير من طلبة التخصصات العلمية يعانون من أزمة، فعلى الرغم من أنهم تلقوا تقنيات ومعادلات ونظريات، إلَّا أنهم ظلوا يفتقدون إلى تلك النظرة الشاملة لماهية الفكر العلمي، حتى في داخل ميدان تخصصهم الضيق.‏

ثانياً: واقع الفلسفة في مجتمعاتنا‏

أ- على المستوى المجتمعي العام‏

إن المتفحص لواقعنا الحاضر يجد أن الفلسفة في الوطن العربي بصفة عامة لا تزال بعيدة عن أن تؤدي أي دور تغييري في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. وهذا لوجود كثير من العقبات، منها ما يتعلَّق بالفلسفة نفسها، ومنها ما يتعلَّق بالإطار الاجتماعي الذي تُمارس فيه. ونذكر أهم هذه العقبات:‏

العقبة الأولى: وتتعلَّق بطبيعة الفلسفة عينها، حيث إن معظم الأفكار والنظريات الفلسفية التي نتداولها مصدرها الغرب، حيث نجد ترسيخاً لتصور معين للفلسفة يُجردِّها من وظيفتها النقدية التقويمية على صعيد التنظير الاجتماعي والسياسي. والأمثلة على هذا كثيرة، فالفلسفة التحليلية التي سيطرت لمدة طويلة على مسرح فلسفة القرن العشرين تقوم على النظر إلى أن الفلسفة محايدة، وأنها إذا أُريد لها أن تكون فلسفة علمية وجب على أصحابها أن يحصروا مهمتها فقط في التحليل النقدي للغة من أجل توضيح معنى ما نقوله من عبارات...إلخ.‏

العقبة الثانية: وتتمثل في وجهتي نظر سلبيتين إلى الفلسفة ويمثلهما منظوران:‏

المنظور الأول: وهو الذي يسميه الدكتور محمد محسن بـ: «المنظور التقنوبيروقراطي»، وهذا المنظور ينتقد أصحابه الفلسفة بكونها عملاً عقليًّا مجرداً بعيداً عن الممارسة الإجرائية، ومن ثم فهي عديمة الجدوى في مجال تحقيق أي إسهام مباشر في تنشيط الاقتصاد والاستجابة لحاجات السوق، والمساهمة بالتالي في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.المنظور الثاني: ويسميه محمد محسن بـ»المنظور التقليدوي المحدث أو المستحدث»، وهو منظور أقدم تاريخيا من المنظور الأول، وهو يُعبِّر عن وجهة النظر القديمة الحاملة للشعار «من تمنطق فقد تزندق» و»المنطق مدخل إلى الفلسفة، والمدخل إلى الشر شر»...إلخ، ولكن هذه الوجهة من النظر لا تزال تعيش بيننا، حيث غالباً ما ينتقد أصحابها الفلسفة بكونها مدعاة للإلحاد، أو إلى الاختلاف الفكري. ومن ثم فإن ضررها أكبر من نفعها؛ لأنها -برأي أصحاب هذا المنظور- أحد أهم عوامل الفرقة والتشرذم الفكري والعقائدي والحضاري.‏

Yomn.abbas@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية