تأتي المجموعة القصصية يدان جديدتان الصادرة عن دار بعل للقاصة الشابة أميمة عادل ديب،
وقد تضمنت خمسة عشر قصة اعتمدت في أغلبها المفارقة العجيبة أحياناً والنهاية غير المتوقعة في أحيان أخرى لتؤكد بأن الكلمة معبر إلى غايتها ومصدر كي تبوح بما يعتلج في وجدانها وهي إذ تنسج كما تقول كفناً للغد فإنها بالمقابل تقف أمام المرآة أو أمام نفسها لتستعرض حالها أو ربما حال بطلة قصتها المعنونة بـ «عندما يداهمنا الفراغ» أو في «ما الحب» الذي بقي سؤالاً خطته على الرمل لتتخلص به من حيرتها وترددها قبل أن تتلاشى أو تذوب صورة الرجل المرتقب والمأمول في آن، ذلك الرجل الذي وقف طويلاً أمام المرآة أو فيها كما هو عنوان القصة التالية ليفتل شاربيه ويسأل نفسه عن الطريقة التي تجعله مميزاً ومختلفاً عن الآخرين.
وهنا تتجلى قدرة الكاتبة حيث تغوص عميقاً داخل الشخصيات للبحث عن أسرارها وما تخبئه من مكنونات من خلال وقفته لاستحضار الزوجة والعمل وأشياء أخرى ولتأتي النهاية بخبر ينشر عن عاشق فارق الحياة وهو يعانق طيفاً لحبيبته كذلك فعلت في «زيزفونة» الغارقة في الحمل وآلام المخاض وإذ به حمل كاذب وما حدث كان مجرد وهم وولادة لن تحدث وإن كنا ننتظر أن تسقط الورقة النقدية بعد أن تدلت من جيب أحدهم في «مئة ليرة وليرة» كي تأخذها الصبية أو البطلة وتشتري ما تريد فإنها تقترب من الرجل لتنبهه إلى ذلك مخالفة لما نعتقد ولعل تلك المفارقات والنهايات غير المتوقعة هي سمة من سمات المجموعة ففي «قلب ووطن» تعود عبير من السفر لتجد حبيبها قد مات وفي «زرع الإحساس» تفاجأ المرأة التي تريد ترميم كل شيء في جسدها كي تستعيد زوجها مجدداً إلى أحضانها بولدها الذي يريد الزواج وهذا ما كان في « الشرخ « التي تحكي قصة حبيب مضى وبديلاً عنه يأتي المدير ليعرض نفسه تعويضاً عن سعادة هاربة وفي «لا تصلح للنشر» يقول المسؤول عنه للكاتبة: «أنا رجل محترم جداً لكنني أتحول إلى صبي عاشق أمام هكذا أيقونة» وعندما تقرر البطلة أو الكاتبة المغادرة يطلب منها أن تأخذ أوراقها فهي غير صالحة للنشر..
بين ذاتية الأنثى والواقع المعاش تمضي قصص المجموعة مروراً بالهم العام و استعراض بهذه العجالة لا يكفي لكننا قد ندرك من خلاله أهمية فن القص من وجهة نظر الكاتبة أميمة عادل ديب إذ جاءت جملتها مناسبة في المكان الصحيح غايتها التكثيف والوصول إلى هدفها المنشود ذلك لأن القصة فن يسعى إلى نهايته منذ البداية أو منذ كلمته الأولى ولعل هذا ما سعت إليه المجموعة ولو إن الكاتبة قد قدمت بعض قصصها بطريقة تقليدية كما في «خديجة» إلا إنها عادت لتحلق بكلماتها في فضاء رحب مطلقة لنفسها العنان في ذلك كما في «والتقى الحزن بمأواه»: «في غرفة تسكنني تسكنين أنتِ، أشياؤك مازالت هناك، مرتبة، أنيقة، هادئة، تشبهني عندما أكون برفقتك ونبقى هكذا لبضع كلمات» ولندرك الفارق في التكثيف بين هذا النص ونصوص ذكرناها سابقاً سنأخذ مقطعا أخر من نفس القصة تقول فيه: «صارت رسومك معرضاً أقامه قلبي لتزوره عيناي، برفقة أنفاسي في كل حين فإذا أنت نافذة مشرعة على كل أحلامي» وهذا الكلام الجميل لن يمنعنا بطبيعة الحال أن نسأل إلى أي حد يمكن أن تسهم الكلمات المنمقة في صناعة القصة وهل يحق لنا أن نعتمد عليها فقط؟ وهذا بدوره يدفعنا لنطرح أسئلة وردت في «أملنا خريطة بلا حدود»: «من يعيد نور الفراشات؟ من يوقف بكاء السوسن؟ من يضع حداً للموت؟» ولنسأل بعد ذلك إلى أي حد هي الأسئلة مشرعة في الفن القصصي وهل تسمح مساحة القصة النصية «المبسترة» بذلك؟