لم يسلم أحد من أبناء القرية من شذوذ طباعه وطيش سلوكه، تمنى الموت لكل أبناء القرية وأشنعه لجيرانه،
نصب لهم الكمائن وخطط للمكائد لقد تمنى كل أفراد القرية بما فيهم زوجته الطيبة، التي أعيتها الحيل رغم صبرها وحكمتها، وما عرفت به خفة ظلها وشفافية أحاديثها.
كل هذه السمات لم تفلح في تغير شيء من طباعه أو الارتقاء بخلقه هكذا كان حال «أنيس» فما أن يطل ذهاباً أو إياباً إلا شائماً لفلان ولاعناً لأخر، فيتهامس أهل القرية، غامزين من قناته ليقول البعض عنه إبليساً ويطلق عليه أخر خسيساً أو دسيساً ولقلما نادوه أنيساً إلا مكرهين.
لم تفلح جهود زوجته من انتزاع زجاجة الخمر من بين يديه، بل حاول خنقها بكلتا يديه لولا صرخات الاستنجاد وطلب الإغاثة من الجيران الذين استطاعوا تخليصها من مخالبه الوحشية، بعدما أرغمه جيرانه الثلاثة على دخول غرفة نومه ووصدها لتجنبه من طيش سكرته ورعونة مزاجه، محاولين رش الماء على المرأة المسكينة لتستعيد أنفاسها المسلوبة وعزيمتها المدحورة. فما كان من أنيس إلا أن استغل وجود الهاتف في غرفة نومه ليتصل بمخفر المنطقة طالباً نجدته من رجال تآمروا مع زوجته لقتله وسلب أمواله. جاءت دورية من رجال الشرطة ليروا امرأة تترنح على السرير وأيدي الرجال تحاول إنعاشها. وغرفة موصدة يستنجد بها محتجز مظلوم.
هنا لم يكن بمقدور الرجال والزوجة الطيبة رفع الشبهة أو إزالة الشك من قلوب رجال الشرطة.
سيق الرجال الثلاث والزوجة إلى المخفر ليمكثوا أسبوعاً دونما أن تسجل عليهم إدانة أو أن يعطوا براءة.
أطلق سراح الرجال والزوجة، وأقسموا أن لا يلتقوا بعدها لا بأنيس ولا بزوجته الطيبة.
لكن طيبة قلبهم ونقاوة خلقهم جعلتهم يستجيبون بعد أسبوع لتوسلات الزوجة لهم لحضور احتضار لأنيس والإسراع قبل موته فلهم عنده وصية.
أيقن الرجال أن أنيساً يحتضر وما هي إلا ساعات ويغادر عالم الطين والوحل إلى عالم السمو والكمال، إلى العالم الآخر.
حاول أنيس تقبيل أياديهم بل استعد بإشارات تنم عن توقه لتقبيل أقدامهم لأجل المغفرة والمسامحة له من طيشه ورعونته السالفة.
كانت الوصية التي جعلت الرجال يقسمون عليها بأن يقوموا مع زوجته بربطه بقماط قماشي وجره لأمتار ثلاثة ليريح ضميره ولتعود لنفسه السكينة والولاء لهم. وعده الرجال بتنفيذ ذلك رغم صعوبة الطلب وقساوة الفعل.
أطلق أنيس أنفاسه، غادر عالم المحسوس إلى عالم المجردات ألحت الزوجة لتنفيذ الوصية قبل اجتماع أهالي القرية. ربطوا عنق أنيس بقماط قماشي محاولين جره ثلاثة أمتار لتصادف مرور دورية الشرطة التي كانت ما زالت تبحث عن حسم الشك من اليقين في مسألته السابقة.
اقتيد الرجال الثلاث والزوجة المتآمرة. لم يهمس أحد بكلمة كان الصمت أقوى من كل شيء لكنه كان يصب في عكس الوقائع. قالت الزوجة وهي تهز رأسها: كان يقول قبل رحيله سأنتقم منهم في حياتي وبعد موتي.