تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأدب والعلاقة الأسلوبية

ملحق ثقافي
25/ 9/ 2012
د. محمد ياسر شرف

تتكشّف وقائع الحياة الانفعالية ـ حيناً بعد حين ـ عن طرائف تتلامح من خلال الكثرة الملحوظة في طرق التعبير الفني «أي ما نسمّيه الأدب»

عن جملة من العواطف الإنسانية الفاعلة، ولاسيما لدى الأشخاص المبدعين الذين وصلوا إلى امتلاك ناصية التصرّف المبهر باللغة، بحيث يستطيع الواحد منهم أن يجري معادلة عملية مقبولة في تركيب صيغ لغوية موحية على أساس من التناسب بين التعبير عن الفكر والمشاعر ـ من طرف ـ وممارسة الحرية المتاحة في استخدام مخزون الألفاظ المتوافر للشخص في لغة معيّنة ـ من طرف آخر ـ في عصر زمني بذاته، وتبعاً لمعطيات تتباين باختلاف الظروف الزمانية والمكانية.‏

ولذا رأى غالبية اللغويين التجريبيين وعلماء اللغة المحدثون أنّ العلاقة بين اللغة والفكر محكومة بـ»ديالكتية» يتمثّل فيها طرفان، لا مناص من الاستغناء عن أحدهما للقبض على الآخر. إذ لا يجد «الإنسان ـ المفكّر» مهرباً من استخدام التعبير اللغوي، أو ما يقوم مقامه رمزياً، لإيصال ما يريده إلى الآخرين بوساطة ألفاظ مخزونة تمّ التعرفُ على مدلولاتها، في الوقت نفسه الذي يرى فيه أنه مدفوعٌ بأسباب كثيرة إلى تطوير هذه الأداة «اللغة»، لجعلها أكثر فاعليةً في التعبير عن الفكر.‏

وقد أدى ذلك على غير صعيد، كما تقول الدراسات التطبيقية والاختبارات الشفوية والكتابية، إلى معطى علمي يظهر أنّ اللغة الحية التي تريد أن تستمر، يجب أن يتمّ تكريس وجودها، وأن يتمّ تغييرها، في آنٍ معاً.‏

وتشير تواريخ الأدب ودراساته المقارنة، خلال الحقب الزمنية المتعدّدة، إلى اتساع المحاولات الفنّية والنقدية في ذلك كثيراً، ولقد تفاوتت التجارب المتنوّعة في حظوظها في أثناء تحقيق النجاح ضمن ذلك المسعى بطرائق متفاوتة. ولم يكن في ذلك أيّ مسوّغ لاختصار الجهود أو حصرها في حدود ضيّقة، لأنّ الحالات المتنوّعة أفضت إلى نتائج متقاربة أحياناً، كما أدّت حالات متشابهة إلى نتائج متنافرة في أحايين أُخَر.‏

يضاف إلى ذلك ما فتحته الآفاق المتعدّدة للدراسات المنهجية والاتجاهات البحثية المختلفة من مسارب غير محدودة أمام الباحثين ذوي الاتجاهات المتباينة، فحملت نِتاجاً ضافياً أغنى الأدب والنقد الأدبي وزمرةً أخرى من الفنون ذات الصلة، بالتداخل وانتقال الأثر الفني.‏

ويمكن أن نعدّ من ذلك ما عمدت إليه «الرمزية» و»الباروك» في الانتقال من الموضوعات الحسّية المحدّدة، إلى ما لا يقع تحت التحديد ويفرُّ من أسر الوضوح التام، رغم أنّ الموضوع يتحلّى بكثير من الظلال والصفات والنعوت والأوصاف. فهي ليست من ما يضيّق مفهومه وشموله، أو يقسره على الدخول في قالب محدّد، أو يجبره على أن يقبع في زاوية صغيرة من التأطير المعجمي.‏

ولذا غدت هذه السمة واحدةٌ من المؤشرات الفارزة التي يصحّ الاعتماد عليها في التفريق بين نصوص اللغة العادية، ونصوص اللغة الأدبية. وصارت بمثابة «معيار للمفاضلة» بين نصوص أدبية متعدّدة، لوضع درجاتِ تفاوتٍ بينها، تظهر مدى اقترابها من اللغة العادية أو العامة التي تستخدمها الأغلبية من أفراد مجتمعٍ ما ـ من جهة ـ واللغة الأدبية ذات الأبعاد الفنّية التي يجب أن يستخدمها الشخص المبدع ـ من جهة أخرى ـ لكي يضمن تصنيف النصّ الذي ينتجه في نسق «أدبي» يختلف عن لغة الحياة المعاشة اليومية المتداول على ألسنة الناس لدى قضاء الحاجات المشتركة في رتابتها اليومية المتكرّرة.‏

فالخصائص التي يخلعها المبدع على موضوعه ـ في حالة الإنتاج الأدبية ـ لا تزيده تحديداً وإفراداً فقط، بل تزيده اتساعاً وعمومية أيضاً، وربما زادته إبهاماً وإيهاماً حافزين للتفكير، ولا يخرج ذلك كلّه عن ما ذهب إليه «هيجل» والديالكتيون المحدثون الآخرون من أنّ «كل نفي هو تحديد» تخطّياً لمبدأ «سبينوزا» الذي كان يرى أنّ «كل تحديد هو نفي».‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية