فقد كشف المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس عن وثائق نشرت في كتاب جديد له عنوانه « 1948 تاريخ الحرب العربية الإسرائيلية الأولى» ، تبين أن اغتصاب فلسطين جرى عن طريق الرشاوى والابتزاز. فمن بين 33 دولة من أصل 46 دولة عضواً تشكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، والعديد من الدول تلقت رشاوى للموافقة على إعطاء صوتها لمصلحة القرار الأممي رقم 181 حول تقسيم فلسطين . علماً أن بيني موريس يعد أكثر صهيونية من كل المؤرخين الإسرائيليين الجدد الذين خرجوا على الصهيونية وانقطعوا عنها. وهو يعرض في كتابه تاريخ الكيان الصهيوني الذي لفته الأكاذيب والمعتقدات الخاطئة .
ومقاربته تقدم أيضاً أقصى الصور ضد الفلسطينيين والتي لا تخضع لوازع ضمير. وموريس يسعى بشكل خاص إلى تسويغ الاعتداءات التي ارتكبها الصهاينة ، من أجل إقامة كيانهم، وليست إدانتهم مثلما يفعل بعض المؤرخين الإسرائيليين الجدد الآخرين.
ففي ذلك الوقت من عام 1947 اتخذ القرار الذي كان انتهازياً إلى أبعد الحدود، ورأى أحد القادة الصهاينة أن السبل المتعلقة بكيفية الإقناع من أجل التصويت لمصلحة القرار لم تعد كافية، وأنه يجب اللجوء إلى أساليب ظلامية، منها الرشاوى والضغوط. وكتب موريس أن الاعتبارات المالية والضغوط كان لها تأثير في تصويت مندوبي دول أمريكا الجنوبية التي تلقى أحد مندوبيها مبلغ 70 ألف دولار مقابل التصويت لمصلحة قرار التقسيم .
ويذكر موريس حالة كوشريكا، ويقول إنها تلقت مبلغ 45 ألف دولار، بينما غواتيمالا التي كان ممثلها يبدي حماسة زائدة من أجل الصهيونية، وكان على علاقة مع فتاة يهودية، فقد تلقت بحسب الوثائق والأرشيف البريطاني مبالغ من الحركة الصهيونية الأمريكية .
وثمة أسلوب آخر اتبع لإقامة إسرائيل، وهو الابتزاز.
ويقول موريس: إن الذين رفضوا تلقي الرشاوى مثل ليبيريا، تعرضوا للابتزاز، وليبيريا تلقت تهديداً بعدم استطاعتها بيع المطاط الذي لديها.
ومن بين الجهات التي مارست الابتزاز بشكل عام رجال أعمال وجهات صهيونية، ومنهم صموئيل زاموراي رئيس شركة الفواكه المتحدة، الذي كان يحظى بتأثير كبير في منطقة الكاريبي، وكان رئيساً لإحدى النقابات الأمريكية.
وهذه الأساليب ليست غريبة مطلقاً عن الجمهور الإسرائيلي، والمؤرخ هيكائيل كوهين وكذلك توم زئيف أشار إليها، وكتب زئيف أن ميزانية مالية بلغت مليون دولار خصصت من أجل العمليات الخاصة.
وبيني موريس يرى هذه الميزانية شرعية لأن توتراً انتاب قادة الحركة الصهيونية، وأن التصويت لمصلحة القرار يعني قيام إسرائيل، وعدم التصويت سيشكل ضربة قاسمة للصهيونية، الأمر الذي دفع قادة الحركة الصهيونية إلى عد الرؤوس وتبين أن نتائج التصويت لن تكون جيدة، فلذاك لجؤوا إلى الرشاوى والابتزاز، كما يعتبرها شرعية لأن إقامة إسرائيل كانت على جدول الأعمال، ولأن الغاية تبرر الوسيلة.
ولكن لماذا يذكر موريس تلك الرشاوى والابتزازات اليوم وفي لحظة حرجة جداً من تاريخ الكيان الصهيوني الذي يدق جرس الخطر حوله أكثر من أي وقت مضى منذ إنشائه؟
بيني موريس خلال لقائه مع صحيفة يديعوت أحرنوت زلّ لسانه واعترف أن الرشاوى والابتزازات أفضل من حرب عالمية ثالثة قد يسببها العرب إذا لم يتخذ قرار التقسيم في الأمم المتحدة عام 1947.
أما اليوم فهو يرى أن الضغوط والابتزاز والرشاوى، مفيدة في نظر الجلاد الإسرائيلي الذي يسعى إلى كسب نزاعه مع الفلسطينيين في معركته ضد القدس وغزة واستمرار الاستيطان في الضفة الغربية، وضد إيران وسوية وحزب الله وحماس. وحماية إسرائيل.
ولكن في نظر الضحايا، ونظر أصحاب الحقوق، هذا يثبت مرة أخرى مدى سعة التآمر عن طريق المؤسسات الدولية.