ويشكل هذا الاتفاق دليلاً على صدق النيات الايرانية وعزمها على حل الأزمة التي افتعلها الغرب بالحوار والطرق الدبلوماسية وتأكيد سلمية البرنامج النووي الإيراني الذي يهدف إلى الحصول على التكنولوجيا النووية السلمية بما لا يتعارض مع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وقد لاقى توقيع الاتفاق صدى ايجابياً في كثير من الدول، مثل روسيا والصين، بينما رحب به عدد من الدول الغربية مع وجود تحفظات حول مسائل معينة، أما الولايات المتحدة فبقيت تستخدم لغة التشدد وفرض العقوبات! فلماذا إذاً اصرار هذه الأخيرة على اعتماد مبدأ الشك وفرض إرادتها على الغير من دون حق، بل قد يصل الحال أحياناً إلى التهديد باستخدام القوة والحل العسكري؟!! ولماذا تقوم الولايات المتحدة بدور شرطي العالم في الوقت الذي تسمح المادة الرابعة من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية للدول الموقعة عليها بامتلاك هذه التقنية للأغراض السلمية؟
من المعلوم أن الدول الـ (192) الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة قد تعهدت وفق ميثاق المنظمة بتوطيد الأمن والسلام الدوليين والتعاون الجماعي لردع كل من يهدد الاستقرار العالمي عبر استخدام وسائل سلمية ودبلوماسية تتوافق مع مبادئ الشرعية الدولية وبما يكفل حقوق كل الشعوب.
والتزمت هذه الدول بتطوير علاقاتها لتكون قائمة ومرتكزة على الاحترام المتبادل والمساواة فيما بينها من حيث الحقوق وكذلك احترام سيادة الدول لبعضها وعدم اللجوء إلى استخدام القوة لتسوية المشكلات العالقة ما يتنافى مع أهداف منظمة الأمم المتحدة.
لكن واقع الحال هو عكس ذلك، فالعديد من الدول كانت ومازالت تنتهج سياسات وممارسات تخالف بها رغبة المجتمع الدولي للسلام وهي بذلك تضرب بالميثاق عرض الحائط الميثاق الذي قامت عليه المنظمة الدولية.
إن المتتبع للتفاصيل يجد أن معظم الحروب التي قامت ومنذ الحرب العالمية الثانية قامت على مبررات وأسباب باطلة أوجدها أصحابها مسوغاً لشنها، وعلى هذا فأين العقل والمنطق فيما تقوم به بعض الدول عبر وسائل إعلامها وقنواتها الدبلوماسية في التهديد باستخدام العقوبات والقوة أحياناً ضد بلدٍ ما مثل إيران!؟
من الواضح تماماً أن خصوم إيران يسعون وبشكل متكرر إلى إظهارها بمظهر من لا يريد التعاون والتهرب من تقديم أدلة على عدم سعيها لتطوير أسلحة نووية وما هي تحفظات بعض الدول الغربية على اتفاق طهران إلا تأكيد على نياتها المبيتة ضد إيران.
ويرى محللون أن خطاباً سابقاً للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد هاجم فيه اسرائيل وبرنامجها النووي غير السلمي وانتقد فيه أيضاً سياسة الغرب تجاه بلاده لأنه يغض الطرف عن إسرائيل وعن 300 رأس نووي في ترسانتها النووية من جهة ويوجه التهديدات ويتوعد بالعقوبات لإيران من جهة أخرى.
يرى هؤلاء المحللون أن كلام الرئيس الإيراني قد حوّر بشكل مغلوط ومتعمد بحيث بدت إيران تحضر لضرب إسرائيل، ما ساهم بتأجيج الرأي العام الغربي ضدها وجعله يتهيأ لضربة أميركية واسرائيلية لإيران.
وهكذا يتم تشويه الحقائق وخلق سيناريوهات مضللة تشكل مظلة لأي عمل عسكري أو فرض عقوبات ظالمة رغم تصريحات مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومعلومات استخباراتية تنفي امتلاك ايران لبرنامج تسليح نووي، فالغرب عموماً الذي اعتاد اختراع الكذبة ومن ثم تصديقها والسير وراء تداعياتها لم يترك مناسبة ولا فرصة إلا واستغلها لإشعال نيران العداء لإيران.
لقد قدم الغرب لإيران رزمة من الاقتراحات على سبيل حل هذه الأزمة وكل هذه الحلول تتجاهل مبدأ المساواة بين الدول في امتلاك التقنية النووية، في الوقت الذي ترفض فيه دول أخرى مثل إسرائيل التوقيع على معاهدة الحد من الأسلحة النووية.
ولأن إيران رفضت الخضوع لإرادات هذه الدول في تمرير مشروعها في الشرق الأوسط فقد كانت هدف هذه الدول الغربية حيث يمارس عليها شتى أنواع الضغوط وآخرها كان مشروع قانون أمريكي قدّم لمجلس الأمن بعد أقل من 48 ساعة من التوقيع على الاتفاق الثلاثي في طهران لفرض مزيد من العقوبات في محاولة أمريكية لمصادرة النجاح الدبلوماسي للدول الثلاث إيران وتركيا والبرازيل.
إن الاستمرار باستخدام لغة القوة والتهديد إنما يشبه بعواء قطيع من الذئاب يتأهب للانقضاض على فريسته في دلالة واضحة لحقيقة النيات المبيتة والعدوانية ضد بلد عضو في منظمة الأمم المتحدة له مواقفه القوية والمناهضة لسياسات الغرب والولايات المتحدة في المنطقة ودعمه الواضح والصريح للنهج المقاوم لهذه السياسات.
بقلم : كارل مولر