يشكّل من كلماتهم مادة أولية- خاماً، تكون قواماً لكتابه (ذاكرة السفينة الشراعية في الخليج العربي) دراسة يقوم بها الدكتور ديونيسيوس آ.جيوس الأستاذ بقسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة ليدز.. (لطالما شغفت بأعمال الكتّاب عن الرحالة والجغرافيا في العصور الوسطى، وكنت قد وجدت معلومات ثمينة ومثيرة للاهتمام عن رحلات البحارة العرب وأشكال السفن ومصطلحات المسافات البحرية.. حتى صار تصنيف السفن موضع اهتمامي وبات مصب عنايتي وموضوع بحثي عن السفينة الشراعية في الخليج العربي وعمان)
أعمال الرحالة الجغرافيين هي بذرة نشوء حب آجيوس واهتمامه بموضوع السفينة الشراعية. وللقارئ أن يكتشف من خلال هذه الموضوعة محاور عدة يناقشها آجيوس بحجة هذا النوع من السفن. صحيح أن الكتاب يهدف إلى (إرساء صلة تاريخية ولغوية بين المراكب التقليدية التي تمخر البحار في الوقت الراهن والزوارق التي تبحر قبالة الساحل في الخليج وعمان وتلك التي عرفتها الحقبة الاسلامية في القرون الوسطى) وبطريق البحث التوثيقي لهذا النوع من السفن تتم الابانة عن كثير من معلومات تاريخية وجغرافية كان لها دور مهم في التشكيلات السياسية لمنطقة الخليج.
يعود الباحث إلى القرن السابع عشر، ينقب في فترة قدوم البرتغاليين إلى الهند والخليج العربي، قدوم كان له أبلغ الأهمية سياسياً وثقافياً إلى جانب مساهمة البرتغاليين في تقنيات بناء السفن.
في ذلك الزمن، لم يكن البرتغاليون الوحيدين على الساحة تواجد إلى جانبهم كل من الهولنديين والانكليز.. وهؤلاء اضطلعوا بدور مهم في النشاط التجاري بين الشرق والغرب.
الأهم كان دور البريطانيين إن كان لجهة مراقبة القرصنة وتجارة الرق أو لجهة مساعدتهم عرب الخليج بإقامة دولهم الحالية.
قراءة بناء السفن الشراعية ليست قراءة هيكلية خارجية تنبهر بالشكل البنائي الخارجي.. توثيقاً تقنياً طرائقياً.. وفقط إنما هي قراءة تغوص إلى ما وراء الهندسة الشكلانية.. قراءة مرحلة مر بها شعب عبر الابحار في ذاكرته.
تتطور وتتبدل صناعة هذه السفن، وبالطبع سيكون لتلك الأقوام- الأجنبية- دورها في إحداث تغيير ملموس.
تحصيل معلومات تقنية عن كيفية تطور تلك الصناعة من المصادر العربية في القرون الوسطى كان عملاً شاقاً ونادراً.. على العكس من ذلك جاءت الأدبيات الغربية خاصة البرتغالية والهولندية والانكليزية التي حملت (معلومات دقيقة عن أنواع السفن ووظائفها وتصميم هيكلها).
اشتملت تلك المصادر ذكراً للأثر الغربي على تصاميم تلك السفن، ولاسيما لدى وصول البرتغاليين إلى الخليج العربي والتحول من البناء القائم على الخياطة إلى المسمار.
تختصر ذاكرة السفينة الشرعية التي يخوض ويغوص فيها آجيوس ذاكرة أمة وتاريخ بلاد.. يتنبه إلى أن المضي بعيداً في استكشاف أصلها ليس سوى سبيل لمعرفة واستكشاف أصول البنائين والقباطنة والملاحين والصيادين..
(مسألة الإثنية نقطة حاسمة في نظريتي التي تقول إن المحتوى الفارسي وبعض الهندي الذي نجده في أسماء أجزاء سفينة ما وبدرجة أقل تسميات أنماط من السفن هذا يشير إلى وجود عنصر ايراني قوي بين سكان الساحل العربي).
وبالمقابل..
تظهر الأعمال- المصادر التي تعود إلى الفترة القروسطية مقدار امتداد اللغة العربية.. (التي لا تقتصر على العرب وحدهم، انما يظهر امتدادها بين الأقوام غير العربية وفي المحيط الهندي أيضاً).
بعد ذكر لمحة تاريخية عن وضع الملاحة في الخليج العربي ونشوء الشركتين الانكليزية والهولندية، يدخل آجيوس في مهمة التوثيق لأنواع السفن الشرعية وذكر مصطلحات وظيفية وفنية.
من أنواعها..
(السنبوق) يقول عنه آجيوس إنه اسم قروسطي، كان معروفاً كمركب يعمل في الصيد أو النقل وظل ردحاً طويلاً من الزمن كمركب شراعي يعمل في صيد اللؤلؤ.
أيضاً يهتم لنوع السفن الشراعية الضخمة العابرة للمحيطات مثل:
(البغلة الأرستقراطية) وهي الأضخم والأكثر زينة
و(الغنجة الصورية) تتميز بالمؤخرة المربعة.
يحاول الباحث تصنيف السفن وفق تقسيمات جسد السفينة (البدن) أو حسب وظيفته والطريف أنه يلتقط أغاني البحارين التي يغنونها أثناء رحلات صيدهم منها (يا حافظ الأرواح في الألواح، يامنجي الألواح في لجج البحر تحفظ لنا هذا السنبوق با الله يا رزاق).
هوامش:
الكتاب ذاكرة السفينة الشراعية في الخليج العربي
المؤلف: ديونيسيوس آ. آجيوس
المترجم: عبد الإله الملاح
الناشر: هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث 2009م