يشير التحقيق إلى أن السارق قد دلف من البوابة الرئيسة وأقدم على كسر إحدى النوافذ التي تمكن عبرها من الدخول إلى المتحف دون أن يلاحظه أي من الحراس أو تطلق أجهزة الإنذار صافراتها.وأن آلات التصوير التقطت صوراً له وهو يفر هارباً وبحوزته خمس من اللوحات ذات الأهمية الفنية الكبيرة، ويبدو أن السرقة لم تكتشف إلا في الساعة السابعة من صباح اليوم التالي حيث تبين بأن المسروقات كانت من التحف الفنية التي لا تقدر بثمن لأنها نتاج عمل رائع لفنانين كبار ولها شهرتها في عالم الفن وهي «اللوحة الرعوية» لهنري مايتس، و «شجرة الزيتون» لجورج باراك، و«الطبيعة الميتة وشمعدانات» لفرنان ليجيه و «امرأة تحمل مروحة يد» لأماديو موديلياني، و«حمامة البازلاء» لبابلو بيكاسو التي يقدر الخبراء قيمتها لوحدها بمبلغ 27 مليون دولار.
بتصريح لنائب رئيس بلدية باريس للشؤون الثقافية كريستوفر جيرارد في مؤتمر صحفي عقد في بهو المتحف قال به: «إن هذا الحدث يمثل جريمة نكراء بحق التراث الإنساني وتم تنفيذها من قبل فرد واحد أو ربما أكثر، وإنه في مختلف الأحوال فقد أعد لها بمنتهى الدقة والتنظيم».
وقد ثبت من التحقيق بأن جهاز الإنذار كان معطلاً منذ تاريخ 30 آذار الفائت وأن المسؤولين في المتحف قد طلبوا القطع التبديلية لإصلاحه لكن وصولها قد تأخر.
وتساءل ستيفان تيفو الضابط المختص بالتحقيق بسرقة الأعمال الفنية لدى الانتربول في ليون عن الجدوى من سرقة أعمال فنية ذات شهرة عالمية يمكن التعرف عليها بسهولة ويسر، مضيفاً إلى أن مثل تلك اللوحات يصعب بل ويتعذر بيعها في السوق لأن صورها وأوصافها قد نشرت في وسائل الإعلام وعلى شبكة الانترنت ووزعت على مكاتب الانتربول في 188 بلداً، الأمر الذي سيفضي إلى سهولة التعرف عليها من قبل تجار اللوحات الفنية وحتى من قبل الأشخاص العاديين.
يقول المؤرخ الفني ديديار ريكنار صاحب مجلة لاتريبيون دو لا آرت: « إن هذه السرقة تعتبر من أكبر السرقات التي تعرض لها متحف فرنسي منذ أمد طويل» ولا يرى ثمة جدوى من سرقتها إذ يتعذر على السارق بيعها لأي جهة لأنه لا يوجد أي مستثمر في المجال الفني يقدم على شراء لوحات جرى الإبلاغ عن سرقتها من المتحف الفرنسي.
ويستطرد القول: «ثمة احتمال بوجود مشتر لتلك اللوحات المسروقة بشكل مسبق أو أن أحد الأثرياء من أصحاب البلايين العديمي الضمير ممن يهوون اقتناء اللوحات الفنية قد أقدم على تكليف سارق محترف بتنفيذ تلك العملية، علماً أننا نشك في هذا الأمر لأننا لم نقف على تصرف مماثل طيلة حياتنا فضلاً عن أن الأثرياء ليست لديهم من مشكلة مالية تحول دون شراء لوحات لبيكاسو وغيره من الفنانين الكبار، الأمر الذي يجعلنا نستبعد اللجوء إلى مثل تلك المغامرة الخطرة».
ويؤكد تلك المقولة الضابط في الانتربول تيفو الذي نفى إمكانية قيام ثري كبير بالاتفاق مع السارق على سرقة لوحة يتعذر عليه عرضها على أي زائر له.
توجد احتمالات أخرى لدوافع السرقة من حيث كونها جريمة منظمة قد تهدف إلى ابتزاز شركة التأمين أو بيع المسروقات سراً في السوق السوداء حسب تقدير نواح شارني أستاذ الفن في الجامعة الأمريكية في روما ومؤسس جمعية المبحث في جرائم سرقة الأعمال الفنية.
يرى شارني أن ثمة سرقات مماثلة حدثت في ستينيات القرن الماضي بعدد من الدول لكنه تعذر على اللصوص تسويق المسروقات لعدم وجود سوق يمكنهم من بيعها لأنها تماثل في واقعها تجارة المخدرات والأسلحة التي تقوم بها مجموعات احترفت الإجرام.
ويعتبر شارني أن هذا التصرف عمل خطير يماثل الجرائم التي تحدث في شتى أنحاء العالم حيث يمكن لمجموعات إجرامية منظمة أن تقدم على سرقة الأعمال الفنية وبيعها سراً لتجار السوق السوداء، وتلك المجموعات ذاتها قد تنفذ عمليات إجرامية أخرى مثل: الاتجار بالمخدرات والأسلحة وعمليات إرهابية مريعة.
لقد حدث خلال عام انقضى العديد من السرقات كانت آخر واحدة منها ما حدث في المتحف المعاصر ليلة العشرين من شهر أيار.
وسبقها في شهر كانون الثاني من هذا العام ما حدث بفيلا خاصة في كوت دازور حيث أقدم لصوص على سرقة ثلاثين لوحة لبيكاسو وفنانين آخرين قدرت قيمتها بمبلغ مليون ونصف المليون دولار.
كما سبقتها أيضاً سرقة في شهر حزيران من العام الفائت من متحف بيكاسو في باريس لدفتر رسوم يحتوي على أكثر من ثلاثين صورة تقدر قيمته بأربعة ملايين دولار.
وفي هذا السياق يقول شارني: «إن لوحات بيكاسو هي الأكثر استهدافاً للسرقة على مدى سنوات عديدة».
كما يقول المؤرخ الفني ريكنار: «إن السرقة التي حدثت مؤخراً أثارت الامتعاض والغضب لدى الكثير من هواة الفن، الأمر الذي يستدعي توقف المتحف الفني في باريس عن عرض تلك الأعمال الفنية المهمة ووضعها في خزائن خاصة توفر لها السلامة والأمان».
في 20 أيار وجد زوار المتحف أن أبوابه موصدة وثمة لوحة كتب عليها «المتحف مغلق لأسباب فنية».