أن السلام طريق رجاء إزاء العقبات والمحن، ومسيرة إصغاء مبنية على الذاكرة والتضامن والأخوة، وأن السلام والاستقرار الدولي يتعارضان مع أي محاولة لبناء علاقات على أسس الخوف من تدمير متبادل أو على التهديد بإبادة تامة، بل يمكن تحقيقه من خلال أخلاقيات عالمية تقوم على التضامن والتعاون في خدمة مستقبل يرتكز على الاعتماد المتبادل والمسؤولية المشتركة في الأسرة البشرية بأكملها اليوم كما في الغد.
وأضاف البابا فرنسيس في نشرة أصدرتها حاضرة الفاتيكان، وهي مقتطفات من كلماته وعظاته في أكثر من مناسبة، وقد تلقت" الثورة" نسخة منها، أن محنة النزاعات المدنية والدولية الرهيبة والتي غالباً ما تتفاقم بسبب العنف الجائر، تترك بصماتها في جسد وروح الإنسانية لفترة طويلة، حيث تتضح أن فكرة كل حرب هي إبادة جماعية تدمر مشروع الأخوة، موضحاً أن الحرب تبدأ من رفض اختلاف الآخر، وهو ما يعزز الرغبة في الاستحواذ وفي الهيمنة، وتولد الحروب في قلب الإنسان من الأنانية والكراهية التي تؤدي بدورها إلى التدمير، وإلى سجن الآخر في صورة سلبية وإلى استعباده وإلغائه، وقال إن الحرب تتغذى من تحريف العلاقات ومن طموحات الهيمنة، وإساءة استخدام السلطة، والخوف من الآخر.
وأشار البابا أنه علينا أن نعمل من أجل الأخوة الحقيقية التي تبنى على أساسها المشترك، والتي نمارسها عبر الحوار والثقة المتبادلة، وان الرغبة في السلام مدرجة بعمق في قلب الإنسان ولا يجب أن نقبل بأقل من ذلك، وأوضح أن بدء مسار السلام واتباعه يشكلان تحدياً أمام المصالح المتعددة والمتناقضة ضمن علاقات الأفراد والمجتمعات والأمم، عندها لابد من العودة إلى الضمير الأخلاقي والإرادة الشخصية والسياسية، لأن السلام في الواقع يستمد من أعماق قلب الإنسان، والإرادة السياسية تحتاج دائماً إلى استعادة قوتها من أجل مباشرة عمليات جديدة توفق بين الأفراد والمجتمعات وتوحدهم، ونوه بأن العالم لا يحتاج إلى كلمات فارغة بل إلى شهود راسخين في قناعاتهم وإلى صانعي سلام منفتحين على الحوار دون استثناء، فالسلام مسيرة نقوم بها معاً ساعين إلى الخير العام وعاملين على الوفاء بالكلمة التي نعطيها وعلى احترام القانون.
واستذكر البابا ما قاله القديس بولس السادس: إن النزعة المزدوجة إلى المساواة والمشاركة تسعى إلى قيام مجتمع ديمقراطي، ومن هنا تبدأ ضرورة التنشئة على الحياة الاجتماعية، حيث يتعلم الفرد الحقوق التي له وما يقابلها حتماً من اعتراف بواجبات تجاه الغير، وما يقتضيه الإحساس بالواجب والقيام من سيطرة على الذات وقبول للمسؤوليات والحدود الموضوعة للتمرس بالحرية على صعيد الأفراد والجماعة.
وقال البابا إن السلام مسيرة مصالحة في الشراكة الأخوية، وإن الكتاب المقدس ولاسيما عبر كلام الأنبياء يذكر الضمائر والشعوب بعهد الله مع البشرية، أي أن نتخلى عن الرغبة بالسيطرة على الآخرين، ونتعلم أن ننظر إلى بعضنا كأشخاص وكأخوة، وأشار إلى أن ما ينطبق على السلام في المجال الاجتماعي هو صحيح أيضاً في المجال السياسي والاقتصادي، لأن مسألة السلام تتخلل جميع أبعاد الحياة المجتمعية، ولن يكون هناك سلام حقيقي أبداً ما لم نتمكن من بناء نظام اقتصادي أكثر عدالة، كما كتب بندكتس السادس عشر قبل سنوات في الرسالة العامة المحبة في الحق" كاريتاس إن فيرتات"، إن الانتصار على التخلف لا يتطلب اتخاذ اجراءات لتحسن التعاملات القائمة على اساس التبادل وحسب، أو اقامة مرافق رعاية ذات طابع عام، بل يتطلب قبل كل شيء العمل في سبيل انفتاح تدريجي على المستوى العالمي على اشكال النشاط الاقتصادي تتسم بمقدار من المجانية والتشاركية.
وأضاف البابا فرنسيس أن السلام مسيرة توبة بيئية، حيث نحن بحاجة لتلك التوبة إزاء عواقب عدائنا تجاه الآخرين، وعدم احترام البيت المشترك والاستغلال التعسفي للموارد الطبيعية، منوهاً بأن طريق المصالحة هذا هو الإصغاء والتأمل في العالم الذي أعطاه الله لنا كي يكون بيتنا المشترك، ومن هنا تنشأ طريقة جديدة على وجه الخصوص دوافع عميقة وطريقة جديدة للعيش في البيت المشترك ولمساعدة بعضنا البعض، كل باختلافه الخاص، وبالتالي فإن التوبة البيئية التي ننادي بها تقودنا إلى نظرة جديدة على الحياة بالنظر إلى كرم الخالق الذي أعطانا الأرض، والذي يدعونا مجدداً إلى رزانة المشاركة.
وختمت النشرة بالقول: إن طريق المصالحة يتطلب الصبر والثقة، والسلام لا يتحقق ما لم نرجوه وهذا يعني قبل كل شيء الإيمان بإمكانية السلام والإيمان بأن حاجة الآخر إلى السلام هي نفس حاجتنا إليه، وأشار أنه غالباً ما يكون الخوف مصدراً للصراع لذلك من المهم أن نتخطى مخاوفنا البشرية، وأن نعترف بأننا أبناء معوزون.