ولذلك ما استرد شعب حقوقه إلا بالكفاح والتضحيات وجميع وسائل القوة المعروفة التي تجبر المعتدي على أن ينهي عدوانه بالهزيمة وتبرز راية الحق خفاقة منتصرة، فالباطل له جولة والحق سيد الزمان ونهاية كل مطاف.
وعلى هذا التأسيس تبدو ملامح المشهد الاقليمي والدولي متبدلة لمصلحة قضايا الشعوب العادلة ويظهر من طبيعة الحراك الجاري بأن أكثر من احتمال أصبح وارداً والأكثر وروداً هو عدم قدرة المعتدين على السير في غيهم فوق ما وصلوا إليه، وكما قلنا: إن القوى الغاشمة تبرز من ذاتها عناصر فنائها وما هو عليه حال اسرائيل والداعم لها بغير حدود أو احتساب أميركا قد أصبح يعطي مؤشرات متعددة لانكسارات كبيرة، منها ما هو راهن واضح للعيان من مثل إدانتها على ضوء تقرير غولد ستون بآلاف الاتهامات، على أنها تمارس الإجرام بحق الإنسانية والقضاء العالمي المختص مشغول بها وما هو مخطط له قادم مع الزمان، طالما أنها تصر على الاستيطان وتحدد 12 ألف وحدة سكنية في القدس وترفض أن تكون المدينة عاصمة الدولتين بعد أن أعلنت وما فتئت تعلن رفضها قيام الدولة الفلسطينية المتصلة والقابلة للحياة وذات السيادة.
فالهياج العنصري الذي تبديه دولة العدوان يومياً بحق الفلسطينيين وتوتير الأجواء المحلية والاقليمية والدولية والافتراء كذباً على سورية بدعمها للارهاب أو بتقديمها صواريخ سكود للمقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله أو بإثارة حماسة الادارة الأميركية ضد سورية وتمديد اعتبارها من الدول الراعية للارهاب لمدة سنة، كل ذلك يوحي بمؤشراته إلى أزمة داخل كيان العدو يضيق من خلالها بانسداد أفق كامل أمامه، فلا هو قادر على مواصلة دور اللاعب الجيواستراتيجي الوحيد ولا هو قادر على فرض ارادة الحرب كما كانت عليه الحالة قبل عقود من الزمان ولا هو قادر على استبقاء من خدع به من العرب طوال الزمان ولا هو قادر على أن يبقي الحماسة العالمية لمشروعه كما كان ولا هو ضامن بأن يواصل أصدقاؤه الدوليون الدعم اللامحدود كما يرغب، إذاً جهات الكون الأربع أصبحت تفرض عليه أن يكون محدوداً ويتحدد.
والمجتمع الدولي تتحول عوامل فعله إلى معارضة شجاعة وجريئة لسياسات هذا الكيان بقيادة نتنياهو وليبرمان وهذا هو نداء العقل يطلق ضد الاستيطان ويصفه بأنه خطأ سياسي وأخلاقي من أكثر من 3 آلاف مفكر يهودي في أوروبا يمثلون منظمة جديدة تحت اسم (جي كول) على غرار المنظمة اليهودية في أميركا (جي ستريت).
والسؤال هنا يمكن أن يكون: لماذا تتشكل منظمة يهودية جديدة في أوروبا على غرار المنظمة اليهودية الموجودة في أميركا وتطالب نتنياهو وليبرمان بالكف عن سياسات الاستيطان وبأن تعترف اسرائيل عبر حل الدولتين بدولة ذات سيادة للفلسطينيين؟ فالجواب تجيب عنه إرادة المجتمعين في أميركا وفي العاصمة البلجيكية بروكسل بأن الخوف من انسداد آفاق التسوية في المنطقة سيعرّض اسرائيل لأخطار وجودية لا يمكن تداركها لاحقاً.
فالنتيجة وفق هاتين المنظمتين اليهوديتين هي خوف واضح معلن على صورة وجود اسرائيل ولذلك أطلقنا نداء العقل، ومن اللافت في المنظمة الأوروبية جي كول أنه قد وقع على نداء العقل فيها أسماء بارزة في النخبة اليهودية الأوروبية منها: الفيلسوف برنار هنري ليفي والفيلسوف آلان فينكلكروات ودانييل كوهن بنديت الملقب براني الأحمر زعيم ثورة الطلاب في فران عام 1968 من القرن الماضي، ومن داخل إسرائيل آزر هذا النداء عدد من الأكاديميين والشخصيات المهمة في دولة العدوان مثل البروفسور زئيف شترنهل وإيلي بارنفي والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الصهيونية آخي بريمور.
وبناء عليه سيأتي تحليلنا على حقيقة الداخل الصهيوني المتداعي بفعل تواصل مسلسل الفشل الصهيوني في الحرب والسياسة ليقول: ما الذي قد تسبب بوصول كيان العدوان إلى ما وصل إليه لولا الصمود، المقاومة، وصد العدوان ورد كيد العدو إلى نحره؟ ثم لولا أن بقيت في أرض العروبة قلعة تحمي المقاومين وتبعث ارادة المقاومة في كل عربي من المحيط إلى الخليج هي سورية. ثم لولا أن كانت وقفة العدوان الوثوق الكامل بأن الحق الساطع والشعب الواسع لايهزمان وهما محميان بثبات سورية عليهما.
ورغم تصاعد حدة المواجهة على أرض العراق بعد احتلالها بقيت سورية لا تفرط بكل حق لشعبنا العراقي بالاستقلال وتقرير المصير بإرادته الوطنية الخالصة. ورغم الحرب العدوانية على مقاومة حزب الله في الجنوب اللبناني ومقاومة غزة الباسلة واصلت سورية دورها القومي الداعم والحاضن والمعزز لمقاومة المقاومين بكامل المسؤولية القومية لتنتصر المقاومة وتنكسر دولة العدوان. نعم حملت سورية أعباء وتضحيات الكفاح من أجل التحرير لكل أرض عربية محتلة أو مهددة ولم تنثن لها عزيمة وكم قيل في حصارها وفي عزلها وفي إضعافها وفي إخراجها من دورها القومي النبيل، لكنهم جميعاً قد فشلوا فيما خططوا له ورموا إليه، وها هي دمشق قبلة الدبلوماسية العربية والإقليمية والدولية وتتوافد إليها مواكب القادة، كان من بينهم ميدفيديف وموراتينوس والشيخ صباح الأحمد أمير الكويت، وكان الحدث التاريخي قد سبق في زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى تركيا ومباحثاته مع قادتها وانعقاد القمة السورية التركية القطرية هناك، وحين تكون دمشق اليوم المحور المهم في قرار السلم والحرب والدولة العربية السورية مقصد كل القادة المهمين في الإقليم وفي العالم، فمن الصعب على السياسة الأميركية أن تنجح في كل مشروع تخطط له مع اسرائيل.
فالقرار العربي لم يعد عرضة للتدخل والمقاومة العربية بالقيادة السورية الرشيدة صاحبة كل إرادة حرة وقرار.