الثمانون
روى لي هذه الطرفة الأخ عبد الله خشوف من قرية صدد.
كانت السيدة أم عبود البالغة من العمر ثمانين عاماً مستلقية على طاولة المعاينة في غرفة الطبيب وبجوارها ابنها عبود وكان الطبيب يعاينها وهي ما تنفك تئن وتحكي له عن أوجاعها ومكابداتها.
قالت له: إنها تعاني من أرق مزعج فالناس معظم الناس ينامون ويستيقظون واسم الله عليهم وأما هي فتبقى عيناها مفنجرتين مثل عيني العفريت وأوضحت له أن سبب هذا الأرق والله أعلم هو الوجع الأليم المزمن في ركبتيها وحينما تصبح قاب قوسين أو أدنى من الرقاد تبدأ أذنها اليسرى تصدر صوتاً يشبه صوت لمبة النيون العاطلة حينما تئز على نحو متواصل! ثم سألته:
هذه الأشياء أيش سببها يادكتور؟
قال الطبيب بعجالة: هذه كلها من الثمانين.
قالت: وضيق النفس يا دكتور؟ الله وكيلك حينما أتسطح في الفراش أشعر وكأن طائر حجل كان لاطئاً في صدري وفجأة يأتي من يجفله فيفرفح ويطير.. ثم يبدأ قلبي بالضرب على نحو سريع متواتر وكأن امرأة وسلفتها جالستان مقابل بعضهما البعض وكل واحدة منهما معها هاون تدق فيه من أجل النكاية بالأخرى وفجأة يتوقف قلبي عن الضرب ويصمت.. فأشعر وكأنني مت برأيك دكتور، هذه الأشياء من أيش؟
قال الطبيب وكأنه يستظهر عبارته السابقة: هذه كلها من الثمانين.
ثم حكت له عن ثقل السمع وصعوبة البلع والحشرجة أثناء التنفس والحكة الجلدية التي تنتقل في جسمها من مكان إلى آخر والحرقة التي تعاني منها أثناء التبول وعسر الهضم والجظة بعد كل طعام إضافة إلى الاحساس الدائم الموجود لديها بأنها دائخة وأنها ستقع على الأرض بين لحظة وأخرى.
قال الطبيب: هذه الأشياء كلها من الثمانين.
انزعجت أم عبود من كلام الطبيب وطلبت من عبود أن يقرب أذنه من فمها ففعل فهمست له:
- الهيئة يا ابني يا عبود أن هذا الطبيب حمار!.. كل مرض لا يفهم أسبابه الحقيقية يقول (هذا من الثمانين!)
ابتسم الطبيب وقد سمع ما همست به أم عبود لابنها بوضوح وقال لها:
- هذا الكلام الذي تفضلت به حضرتك.. سببه (الثمانين) أيضاً!!
فحص عيون
يقود ابن بلدتنا أبو حمدو البايملي دراجته النارية في أزقة البلدة منذ أكثر من عشر سنين ولم يصادف أن اعترض طريقه أحد.
فجأة بعد تطبيق قانون السير الجديد أخذت السلطات المحلية تشدد على راكبي الدراجات النارية لكي يستخرجوا شهادات سياقة نظامية ومن لا يحمل معه شهادة سياقة مهدد بحجز الدراجة وارسالها إلى معمل صهر الحديد والخردة بحماه.
ذهب أبو حمدو إلى المخفر وسألهم عن كيفية استخراج شهادة السياقة فأحالوه إلى قسم المرور بإدلب وهناك أعطوه استمارة وطلبوا منه أن يذهب إلى مديرية الصحة ويأتيهم بشهادة صحية تثبت أنه خال من الأمراض السارية والمستعصية وأن بصره جيد.
لدى فحص البصر من قبل اللجنة الصحية اتضح أن أبا حمدو يبصر بعينه اليسرى بنسبة صفر من عشرة! ويبصر بعينه اليمنى بنسبة اثنين من عشرة وبينما كان الطبيب على وشك أن يكتب على الاستمارة عبارة (راسب في فحص العيون) إذ اتصل به أحد زملائه الأطباء وطلب منه مساعدة أبي حمدو البايملي في هذا الفحص.
قال الطبيب لزميله: ماذا تقول يا دكتور؟ أنت أكثر الناس تقديراً للحالة فهذا الرجل يكاد أن يكون كفيفاً لأن بصره في مجموع العينين لا يتعدى اثنين من عشرين! فكيف سيقود الدراجة النارية؟
قال الزميل: الحقيقة هي أن قوة البصر أو ضعفه عند أبي حمدو البايملي سيان فأنا أعرفه جيداً حينما يقود الدراجة لا ينظر أمامه على الاطلاق! نسيت أن أقول لك إنه حميماتي ودائماً يسوق الدراجة وبصره إلى الأعلى!
***
يتبع