تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جبلة ....مهنة القحط والاهمال

آراء
الخميس 20-5-2010م
حسين عبد الكريم

في الوقت الذي كان فيه فجر التاريخ طفلا، كانت جبلة تلهو مع البحر، وتلعب بالموج وهدايا الزرقة، وتستأنس بقراءة النوارس لبيانات الماء.. وتغسل كفيها بالعذوبة وهطل الحب المؤيد..

وتكتب مذكراتها وتاريخ عشقها وفنها ومحفوظات الوجد والعتق منذ أولى القبلات وهي تكتب القبلة تلو القبلة على وجوه الأحفاد والأصدقاء كما تكتب الرعاة ألحانهم على صفحات السماء الأفق مثلها مثل المحبوبين الكبار محكومة بأبد التوت وأسئلة التائقين.. والى اليوم.‏‏

لكل حائط حب قديم متجدد ولكل نافذة ذاكرة وقنديل كلام وحكايات، ولكل عجوز فلسفة وفاء، ولكل فتاة قصيدة يكتبها الأمل والعشق، قامة أبد وسيدة تعزف اسرار صلات القرى والحضارة واللغة والتاريخ.‏‏

للمدن الصغيرة أمطارها وجدائل من أغصان وعناق، ولها بروقها التي تلبسها كشالات غيم، يحل ضيفاً على رأس كل شتاء أو صيف.. الغيم الساحلي عاشق مدلل يحضر متى يشاء ويغيب متى يطيب له الغياب ولا يقل ذهابه دهشة عن مجيئه.. ولا يوجد عاشق أو متأمل أو استاذ اشتياق أو طالب أو عاشقة أو متأملة أو استاذة اشتياق أو طالبة إلا يعرف أو تعرف معلومة عن غيم يزور أو يرحل نبوءة المحب في عينيه وباله.‏‏

لكن من أعزى المدينة الحنونة كطفلة من تاريخ وزرقة وكلام زبد،وحكمة نوارس ونورسات ومقاه شعبية من أعزاها بالاهمال الشديد الى حد القحط؟؟ من أهداها كل هذا الاسى؟ من أوحى لها أو لأحد أبنائها أنه قائم لا محالة وأن البيئة مستقيلة من عافيتها؟!!‏‏

هي في مهرجان نسيان.. والمعنيون بالأمور داخلون في حالة غزل مع حزنها وقسوة مصيرها المتروك.. ويعبرون عن وجعها بما هو أقسى وأوجع؟ المسؤول الجدير بالمسؤولية يملك رصيداً كبيراً أو صغيراً من التفاؤل وعزيمة الحب والاهتمام.. الشوارع المؤدية الى عيني البحر ونعاس المساء تحيط ثيابها الحفر، وترقع قمصانها خيطان الغبار.. وكتفا البحر مرقعتان بانتهامات الأوساخ والبقايا.. من علم مفردات البقايا والوسخ وهو المستحم الأبدي والفصيح الذي لا يخطئ البلاغة وبيانات الترحيب والوداعات ؟؟ بحر جبلة ومثله بحر اللاذقية وبانياس وطرطوس وطرابلس وبيروت وصور السويدية بسيط مثل عاشق ماطر وشجاع مثل كلمة صادقة.‏‏

المدينة المقبلة على موسم بهجتها، من يحميها من تشتت رقتها وأفكارها السياحية؟؟ توزع الحيرة على أفراد عائلتها الكبيرة وعلى الأصدقاء كما توزع الأمهات بساتين الانتظار على العائدين.‏‏

مساء البحر ( الجبلاوي) (تطرزه) خطوات العاشقين والعاشقات كما تطرز الوردة (كنزة) العطر وتهديها لحبيبة أو حبيب.‏‏

هل يود مساء المدينة الاعتكاف والانزواء واعتزال مهنة الخطوات العاشقة وموسيقا الاعجاب والانبهار؟!!‏‏

وهل أعلن الجمال الهدنة والتعاطف مع قحط القائمين على الأمور وموهبة الكسل والفشل والركود؟!‏‏

الممرات الجانبية والأزقة تضيق بحروف نطقها وجملة وصلها.. كأن حبر النظافة لم يكتب أي عنوان في كتاب وقتها وكأن الاعتناء في اجازة ادارية منذ ودع حمورابي آخر قوانينه. القحط مهنة سيئة لكنه سقط على ملامحها كما يسقط وقت الشقاء على الفقراء والمنهكين من العوز.. والقحط هو ابن نفسه أم تشارك مع الانسان في تقاسم الاهمال؟؟‏‏

قحط المدينة ابن القرارات والسلوك الاداري والخدمي؟! الطبيعة أملت عليها اللطف وأنجزت لها العديد من المحاسن وأغنتها بالرزانة والتاريخ وألفة الزمان والمكان.‏‏

مكان يمنحك الثقة بالحب ومكان ليس قادراً على الثقة ، جبلة تهدي الثقة باللطف وتعلم العاشقين أن يكونوا على خير ما يرام مدينة مزروعة في وجدان التاريخ وناسها وكل موسم تهيئ نفسها لإعطاء الأبناء والأحباب أملاكاً صغيرة من حب جديد.. كم هي عتيقة وفي الوقت ذاته هي احدى أميرات الحداثة والتجديد أميرة من حسن وتاريخ ولطف، والاهمال مشاغب والقحط مشاغب آخر رغم كل مواجعها لا تتردد في الدفاع عن الحب.‏‏

الأمكنة المدن.. القرى المطارح الحارات الأحياء التي تجيد الحب والعشق الأبدي والتواصل الجميل مع عمرها وعمر أبنائها والاهمال تحت خط الفقر.. لكنها قد تنام تحت خط الاهمال والاهمال كامل الدسم يصيرغصة في حلق المكان والزمان ويصير قحطاً يعاقب شجرات وجد الأمكنة ويتعاهد مع يأسها على حساب سلامة أمانيها..‏‏

جبلة ديوان حب لم تكتمل قصائده ولا ينبغي اكتمالها لأن المؤلفة لم تزل في ميعة الصبا ورونق الجمال رغم قحط بعض الأبناء الذين مرت نفوسهم تهريباً دون المرور على أوتار الحب الساحلي والغيمي والمطري والانسي.. النفوس المتوسطة والمدرج القديم النفوس الطاعنة بالفشل واليأس واليباس يجب تدريبها كثيراً وطويلاً على فن البهاء ومعزوفة الكرم وغنائية العذوبة البحرية والجبلية.. الحب جبلي وساحلي وابن مدينة وابن قرية، وابن الحي والحارة والساحات الرئيسية والشوارع، لا امكانية للبقاء الجيد من غير حب جيد.. فكيف الحال مع النفوس المنشغلة بانطفائها المبكر وشقاء العزلة والانكفاء؟!‏‏

في صدرها أغنيات من كل لون وعطر وفجر وغيمة ، وفي وجدانها كنوز حنين وحياة تكفي الاشرعة كي تسافر والمسافرين كي يرجعوا والنوارس كي تطير وتصحو على نغمة الماء.. وفي حجارتها عقل زمان ووعي حضارة.. وفي قسمات النساء والرجال شعر ونثر وروايات قيد التتمات وفيها صلوات وجمال..‏‏

أحياناً المصافحة الواحدة تزرع في الأنامل بستان حياة،، وأحياناً تلويحة وداع جبلاوي تملأ جملها جبلة؟ وما أحسن حزنها وأفراحها؟ وما أقسى قحط الأبناء الموحشين! وما أوجع فن الاهمال الذي تتمتع به العديد من الدوائر الخدمية والادارية فجاجة الاحتيال الاداري ألعن من فجاجة الاحتيال الاجتماعي.. وغلاظة قحط بعض الموظفين تكفي لتسميم حقول المدينة والقرى والساحل والجبل والتراث والهواء.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية