عندما نفعل ذلك نكون شركاء منغمسين في خطيئة تشويه الحقيقة والإساءة إليها إساءة بالغة.
والسقوط في مطبّ الخطأ أمر مقبول، لكنْ من غير المقبول التمادي في الخطأ، وعدم القيام بأية محاولة للخروج من حفرته العميقة.
وبالمقابل هناك من يدّعي القدرة على ممارسة عملية النقد بعيداً عن العاطفة الجيّاشة، فهو كما يقول يغلّب العقل عليها، ولا يسمح لها بتكدير صفو هذا العقل، أو بلوغه ذروة الصواب في طريق وصوله إلى الحقيقة وإجلاسها على السدّة التي تليق بها.
هذا الموضوع سيبقى موضوع خلاف إلى أمد طويل، وهو يشبه إلى حدّ ما ، ذلك الخلاف الذي ينشأ أحياناً على اسم تجاري ، وهنا نملك القدر الكافي من الشجاعة لنقول: إنّ وراء الأكمة ما وراءها، ونعني بالأكمة النيات الموجودة لدى البعض عن سابق إصرار وترصّد للإساءة لإبداع هذا الكاتب وتقديم نتاجه الفكريّ إلى الناس وكأنه لهو أو لغو قلم حائر لا يعرف صاحبه ما هي الرسالة التي يريد إيصالها إلى الآخرين ، وربّما تطوّرت الإساءة المتعمّدة من ذلك الذي يحاول الخروج علينا بعباءة الناقد الخبير إلى طموح مقصود لتدمير المبدع نفسياً من خلال فتح نار الحقد لا النقد عليه، والسعي الحثيث لتصيب منه مقتلاً.
وهذا الأسلوب الذي يرتدي ثوباً شفيفاً يفضح ما تحته، يذكّرنا برفع آخرين أصواتهم بالاستمرار في حملة الهجوم على شخصيات كبيرة في دنيا الفكر والأدب ، شخصيّات حظيت باحترامنا وتقديرنا منذ كنّا على مقاعد الدراسة، وظلّ إبداعها مستقراً في ذاكرتنا كصفحة مضيئة من صفحات تراثنا الأدبيّ الذي نعتزّ به اعتزازاً كبيراً.
هل نحن مطالبون في مثل هذه الحالة بإنشاء نقابة ينهض بمهمّة حماية الصناعة الفكرية الوطنية لدينا، وعدم السماح بفتح الأبواب أمام الصناعات النقدية التي لا تمتّ إلى النقد بأدنى صلة، لتسلّل إلى عقولنا وتسعى لشطب سجلاّت أولئك المبدعين من الذاكرة أو تشويهها تشويهاً مخيفاً إن وجدت نفسها عاجزة عن الشطب؟!
المسألة ليست مقلقلة إلى حدّ الدعوة لإنشاء مثل هذه النقابة، وإلاّ كنّا متورّطين في الإساءة إلى إبداع مبدعينا عندما نرميهم بتهمة العجز عن حماية نتاجهم الفكريّ من غزوات أولئك الطائشين الذين حملوا أقلام رصاص أطول من قاماتهم المفرطة في اقترابها من الأرض.
المسألة أكبر من خلاف على تقييم عمل فكريّ ما، والمؤسف أنّ الحكم الذي يصدر في كثير من الحالات عن هوى متعصّب أعمى يشتطّ في ابتعاده عن النقد، ويبالغ في اقترابه إن لم نقل التصاقه التام بالحقد،وشتاّن بين النقد والحقد.
أما آن لأولئك الحاقدين لا الناقدين أن يستحوا أو يرعووا أو يفكّروا؟!.
لقد ضقنا بهم صدوراً، كما ضاق النقد بهم صدراً.