وأعلنت القمة عن ميلاد تجمع جديد لدول القارة الأميركية لايضم في عضويته كلاً من كندا والولايات المتحدة الأميركية، وسيوازي هذا التجمع «منظمة الدول الأميركية» التي تضم كل دول القارة دون استثناء.
تجدر الإشارة إلى أن هذه القمة تأتي تتويجاً لأعمال تجمع «جماعة دول أميركا اللاتينية والكاريبي» وأن عقد قمتها الأولى في المكسيك يمثل خطوة رسمية عملية لتكريس هذا التجمع والإعلان عن أهدافه العامة. كما تجدر الإشارة إلى أن ولادة هذا التجمع تأتي بعد 50 عاماً على وجود منظمة الدول الأميركية التي عانت في السنوات القليلة الماضية من تباينات وتناقضات في صفوفها عموماً، وبين الغالبية الساحقة من دول القارة والولايات المتحدة الأميركية وكندا.
هذه المنظمة التي وضعها العديد من قيادة دول الكاريبي وأميركا الجنوبية بأنها باتت أداة للترويج لسياسات مصالح واشنطن، وهذا مايتناقض مع مصلحة الغالبية الساحقة من دول القارة.
وقد شهدت السنوات الماضية، بعيد تعزيز تيار التغيير والتقدم وجوده في جنوب القارة ومنطقة الكاريبي، الذي وصل إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية، ولادة العديد من الروابط والتجمعات أبرزها:
مجموعة آلبا: وتضم كوبا، فنزويلا، نيكاراغوا، هندوراس (قبيل انتخابات حزيران الماضي وتجمدت عضويتها بعيدها ) بوليفيا، الأكوادور، الدومينكان، جزر تاباغوا سانت فنسنات.
مجموعة الأنديز: وتضم فنزويلا، كولومبيا، الأكوادور، البيرو (تجمدت أعمال هذه المجموعة إثر الخلافات الفنزويلية- الكولومبية).
مجموعة أوناسور: وتضم جميع دول أميركا الجنوبية على اختلاف توجهاتها ونهجها الاقتصادي والاجتماعي من اليسار إلى اليمين.
ولذا ينظر باهتمام إلى ولادة هذا التجمع الذي يضم 32 دولة (مجموع دول القارة باستثناء الولايات المتحدة وكندا) بوصفه أوسع إطار يجمع دول القارة على اختلاف توجهاتها من اليسار ويسار الوسط (كوبا، فنزويلا.. الخ) إلى اليمين ويمين الوسط (البيرو، تشيلي.. الخ).
والتي يجمعها ضرورات التوافق على كيفية النهوض بأوضاع دول القارة وتعزيز استقلالها الاقتصادي وتكاملها، فقد أعلن الرئيس التشيلي المنتخب (يمين الوسط) سابا ستيان بينيرا في القمة أنه (لابد أن نعي تماماً أنه آن أوان الاتحاد أكثر من ذي قبل لتعزيز الديمقراطية والسلام، وأن نعالج مشكلتي الفقر والتنمية اللتين تلازمنا على مدى 200 عام).
هذا في الوقت الذي ينظر فيه قادة تيار التغيير والتقدم الذي يمثل الغالبية، حتى تاريخه، من دول أميركا الجنوبية والكاريبي إلى هذا التجمع بوصفه إطاراً للتعاون المشترك بين دول القارة، من شأنه أن يمهد الطريق لخطوات مهمة على طريق تعزيز استقلال القارة الاقتصادي- السياسي وتكاملها، كذلك ابتعادها عن فلك سياسة واشنطن والتبعية السابقة لتوجهاتها على حساب مصلحة القارة ودولها.
ولم يكن ممكناً لهذه الخطوات الاستقلالية المهمة، وبناء روابط وتجمعات في إطار القارة، وصولاً إلى ولادة هذا التجمع الشامل لـ 32 دولة من دول القارة لولا استمرار نجاح التطورات الجارية في أميركا الجنوبية واللاتينية وعنوانها الرئيسي التغيير الشعبي التقدمي والديمقراطي عبر العمليات الانتخابية وصناديق الاقتراع منذ أكثر من عقد، التي أوصلت قادة هذا التيار برموزه وأحزابه وقواه إلى سدة السلطات الرئاسية والتشريعية والتنفيذية.
كما لم يكن ذلك ممكناً لولا التحالفات العريضة التي ضمت قوى ورموز اليسار والتقدم والديمقراطية في الكثير من بلدان القارة وتعزيز حضورها من خلال تنفيذ برامجها الوطنية أولاً، والعمل على تعزيز التنسيق بين دولها ثانياً، وصولاً إلى قيام هذه الروابط ثم التجمع الشامل لدول القارة الـ 32.
ولذا لم تغب عن جدول أعمال قمة الأميركيتين في المكسيك التطورات الدولية، فقد أعلنت القمة رفضها محاولات عزل إيران، أو فرض المزيد من العقوبات عليها، وتضامنها مع الأرجنتين في خلافها مع بريطانيا حول جزر الفوكلاند، التي خيضت بسببها حرب بريطانية- أرجنتينية انتصرت فيها بريطانيا وأبقت سيطرتها على هذه الجزر، ومطالبة القمة فتح ملف هذه الجزر في الأمم المتحدة.
لذلك ينظر باهتمام إلى قمة الأميركيتين وقيام تجمعها، وإلى توجهات قادة دولها الساعية إلى تعزيز استقلال القارة والنهوض بأوضاعها دولاً وقارة، كذلك إلى تقوية دورها الدولي وعلاقاتها مع الدول والروابط القارية والدولية الأخرى.
باحث في الشؤون الدولية
batsl m-@ scs-net.org