واختلفت وجهة النظر بالنسبة لعمل المرأة بشكل عام فمنهم من أيد هذه الفكرة و شجعها، ومنهم من عارض، و كان ذلك نتيجة لما حققته المرأة العاملة في سورية من نجاح و تفوق في عدة مجالات، مع العلم أن نسبة المرأة العاملة السورية في المجتمع قليلة مقارنة بكونها نصف المجتمع
وأشار خبراء نفسيون إلى أن هناك حقائق أثبتها العلم لا يمكن إنكارها، منها أن لعمل المرأة تأثيراً على توازنها النفسي، فالمرأة التي تعمل خارج البيت تعاني من التوتر و القلق الناتج عن المسؤوليات المزدوجة، و تبين إحدى الإحصائيات أن مئات النساء يعانين من التوتر والقلق، و نسبة 76٪ من المهدئات تصرف للنساء العاملات.
قادرات على تحمل المسؤولية..
هذا رأي غالبية النساء العاملات اللواتي يرفضن التمييز بين عمل المرأة والرجل حيث تقول ماري بائعة في أحد صالات الأفران تعرضت للنقد بسبب عملي من قبل أقاربي لأنني احمل شهادة جامعية و أعمل بهكذا مهنة، وبما أنني أسكن في منطقة شعبية كان بعض الجيران ينظرون لي نظرة استغراب وتعجب كوني أنهي عملي و أعود إلى منزلي في المساء.
وتضيف ماري.. أنا لو اضطررت لاشتريت بسطة وعملت عليها بائعة «بسطة» لأن المرأة تستطيع أن تعمل بأي مهنة شريفة طالما لم تقلل هذه المهنة من كرامتها، لأن أثر العمل على المرأة من الناحية المادية ايجابي بينما على الصعيد الدراسي فيكون تأثيره سلبياً.
أما سمية التي تعمل سكرتيرة في شركة خاصة فتقول: في البداية أهلي لم يقتنعوا بفكرة عملي، ولكن بسبب ثقتهم بي وبعد زيارتهم للشركة التي أعمل بها و تعرفهم على صاحب الشركة ورؤيتهم للوضع الملائم الذي أعمل به تأكدوا من ارتياحي النفسي لهذا العمل، بل شجعوني على أن استمر في عملي رغم الوظائف الأخرى التي عرضت علي.
وعن نظرة المجتمع لفكرة عمل السكرتيرة تابعت سمية لم أتعرض طوال فترة عملي إلى أي مضايقات أو إزعاجات لا من قبل الموظفين ولا حتى من المراجعين، فكنت في البداية فقط استاء من نظرات التعجب التي يوجهها البعض لي، ولكن بعد فترة قصيرة تقبل من حولي فكرة عملي و على النقيض فهناك من شجعني.
عملها سبب البطالة
لم يؤيد ظافر -محاسب في إحدى الدوائر الحكومية- عمل المرأة، وبرأيه أن لكل من الرجل و المرأة دوره المختلف في المجتمع، فالمرأة خلقت لتكون ربة منزل وأماً حنوناً وزوجة صالحة، وعندما تعمل المرأة خارج منزلها تكون بذلك تعدت على دور غيرها.
وعن البطالة التي تسببت بها المرأة، تحدث ظافر إن استحواذ المرأة على بعض المهن الخاصة بالرجال، و بالمقابل لاننكر بأن المجتمع بحاجة لبعض النساء العاملات كالطبيبة و المدرسة والممرضة و غيرها، وبالرغم من اعتراضي على عمل المرأة، فأنا أؤيد عمل الأنثى غير المتزوجة و التي تطبق ما تعلمته خلال مراحلها الدراسية في عملها، و تقوم بتقوية و تنمية قدراتها و التي يمكن للمجتمع الاستفادة منها.
نساء في مهن الرجال
أجبرت المرأة بسبب الظروف المعيشية الصعبة على ممارسة مهن كانت محظورة عليها، وعلى الرغم من أن الجنس الناعم الذي لا يليق به إلا أعمال معينة بدأت يعملن في مهن الرجال، حيث تخلت بعض النساء في المهن التي اخترنها أو أجبرن على عملها عن ثوب الأنوثة ليرتدين ثياباً يستطعن بها مقاومة تقلبات الحياة رغم انتقاد المجتمع لهن.
أم سعيد تقول: بعد مرض زوجي و توقفه عن العمل وقفت حائرة من أين سأجلب المال، ولدي أربعة أطفال صغار فلجأت إلى القروض و أشار علي زوجي أن أعمد إلى فتح مغسل للسيارات كونه غير موجود في قريتنا، وبدأت العمل بمساعدة بعض الشباب من أقربائي، في البداية الجميع استغرب عملي و لكن الآن ألاقي الاحترام والدعم لأني بعملي هذا سترت عائلتي من الحاجة.
أما«أم علي» وهي صاحبة تنور تصنع جميع أنواع المعجنات، و في الأعياد تصنع الحلويات في منزلها و تقوم ببيعها، و تضيف أنها تعلمت قيادة الدراجة النارية من أجل الذهاب إلى السوق وجلب الحاجات الأساسية اللازمة في عملها ومن خلال حسن تعاملها وأخلاقها كانت تفرض على الجميع احترامها وتقديرها في اعتمادها على نفسها وحفظ ماء وجهها.
أما«أم ربيع» وهي أرملة فتقول أعمل في تنظيف الدرج في البنايات و أحيانا تنظيف البيوت و إذا احتاجت إحدى السيدات بعض الحاجيات من السوق أحضرها لها، و الجميع يتعاملون معي باحترام كوني أعمل دون أن أمد يدي لأحد. وفي نفس السياق تقول سورية و هي مطلقة أنها تقوم بتربية الماشية والأبقار وقامت بشراء سيارة زراعية تقودها بنفسها، و تأخذ الحليب و توزعه على البائعين في المنطقة التي تقطنها.
أخت الرجال
أطلقت الظروف لقب «أخت الرجال» على بعض النساء اللاتي حكم عليهن بالعمل خارج المنزل، تقول سامية: زوجي يعتمد علي في أمور كثيرة فعندما أمرض أنا أو أحد أولادي أذهب بمفردي إلى عيادة الطبيب، و يبرر ذلك بانشغاله.. و أشارك في مصروف البيت و الاولاد من أجل تحسين مستوى المعيشة.
أما من حكم عليها بأن تكون أرملة ولديها أطفال فبدأت تجسد دور الأب في الأمور الإدارية والمالية والالتزام بدورها كأم وربة منزل.
وعن هذا النموذج من النساء قالت «أم رائد» البالغة من العمر 40 عاماً: بعد أن توفي زوجي بدأت أعمل طاهية في أحد المطاعم بسبب حاجتي إلى مورد مالي مستمر يعينني في تربية أولادي واستمررت في هذا العمل حتى تخرج أولادي من الجامعة و عملوا بشهاداتهم و من ثم تركت عملي و بقيت في منزلي لخدمة أولادي..
أما أم حسن فلها تجربة أخرى بعد أن تجاوز عمرها الخمسين عاما ولا تزال تصارع الحياة مع ابنها المعاق، تجلس على الرصيف لتبيع الخبز وعلب الدخان متحملة برد الشتاء و حر الصيف كي تعيل نفسها وولدها بهذه المهنة التي تحيط بها المخاطر بمقارعة عناصر البلدية و المكافحة بعد أن فقدت زوجها و تخلى عنها أبناؤها.
الاستقلالية المالية
تقول سمر و هي تعمل في محل لبيع الألبسة النسائية: عملت بالبداية لملء فراغ العطلة الصيفية، و كانت لهذه الخطوة أثر كبير في تغير نظرتي للحياة لأني قبل أن اكسب أي مبلغ مادي مقابل عملي كسبت استقلالية شخصية لم أكن أشعر بها من قبل، فازدادت ثقتي بنفسي لأني أصبحت مسؤولة عن اتخاذ أي قرار يخصني، وأصف كل من يستطيع العمل و لا يعمل بالفارغ نفسياً.
وعن نظرة الأهل لابنتهم العاملة، ذكرت فاديا: تغيرت معاملة أهلي ونظرتهم لي بعد ما عملت خارج المنزل، فبدأت تكبر ثقتهم بي وأصبحوا يقدرون المجهود الذي ابذله في عملي، عدا عن ذلك فقد بدأت أشعر بقيمة النقود ولم أعد أصرفها كما كنت لأن النقود التي نحصل عليها بتعب و جهد لا يمكننا صرفها بسهولة.
وذكرت باسمة مدرّسة في دار حضانة أنه لا بد للمرأة أن تستمر بالعمل حتى بعد الزواج بسبب صعوبة الحياة ولأن المرأة بدأت تتعب على دراستها فمن حقها أن تمارس عملاً باختصاصها الدراسي بشرط أن تعرف حق أولادها ومنزلها، وتستطيع المرأة العاملة أن تحقق توازناً بين عملها و بيتها، فهناك نساء عاطلات عن العمل ومع ذلك يقصرون في واجباتهم، وبرأيي أنه كلما تعرض الإنسان للضغط ظهرت قدراته أكثر.
أكدت مصادر أممية أن نسبة النساء المعيلات لأسرهن في سورية، ارتفعت خلال السنوات الأخيرة، لتصل إلى نسبة 11،2٪ تقريباً، مشيرة إلى أن المرأة في سورية باتت تعمل في أعمال مهنية وحرفية عديدة.
و إن المرأة في سورية تخلت عن دورها التقليدي كعاملة غير ماهرة تتركز أساسا في الزراعة لصالح مهن تحتاج إلى مهارات وخبرات و مستويات تعليمية متقدمة.
وإلى حدوث تغيرات كبيرة في طبيعة القوة العاملة النسائية وتوزيعها على المهن المختلفة بسبب تغير مستوى المهارات والخبرات التي تمتلكها المرأة .
خبراء الاقتصاد
يرى الاقتصاديون أن للمرأة دوراً كبيراً في زيادة الإنتاج و تحقيق التنمية الاقتصادية، وبالتالي زيادة الدخل، فهي تمثل نصف المجتمع، و لا يعتبر عملها السبب الرئيسي للبطالة، كما يرى البعض، فالمجتمع السوري لم يصل حتى الآن إلى حالة الاكتفاء المهني و طاقاته الإنتاجية، وعلى الرغم من وجود البطالة فهناك فائض عام سواء كان للرجل أو للمرأة في بعض المجالات كبعض التخصصات الأدبية، ونتج هذا الفائض عن عدم ربط حاجة سوق العمل بخطط التعليم و التدريب، لذلك عند وجود تخطيط سليم ودراسة سليمة لعمل المرأة سوف تزداد نسبة الإنتاج، و إن عمل المرأة قد يعوض عن النقص في بعض التخصصات في بعض المجالات فحضارة المجتمعات تقاس بما تملك من ثروة بشرية وفكرية.
وعن نسبة المرأة السورية العاملة بالنسبة لغيرها، قال الدكتور«حزوري»: تعتبر نسبة المرأة العاملة السورية في المجتمع قليلة مقارنة بكونها نصف المجتمع، و لكن لا توجد إحصائيات دقيقة وشاملة للمرأة العاملة سوى لمن تعمل في القطاع العالم و الخاص، بينما على أرض الواقع نجد أن معظم النساء في الريف يعملن ويساعدن في الانتاج إلى جانب زوجها و لكن لاتوجد احصائيات.»