|
لماذا هو كذلك؟ منوعات فهذا البرنامج الذي يفتخر به التلفزيون اليوم كان عرضةً في وقت مضى لانتقاد بعض إدارات الهيئة - كما أشار معده النحات والناقد التشكيلي غازي عانا في لقاء تلفزيوني بعد إعلان الجائزة - حيث أخذت تلك الإدارة على البرنامج (نخبويته) وتوجهه إلى شريحة محدودة من المشاهدين لتثير بذلك أحد الأسئلة الكبيرة حول من يتحمل مسؤولية نخبوية فن ما، وخاصة حين ننظر إلى النخبوية وكأنها تهمة تلصق بالعارف ويفلت من وزرها من لا يعرف .وقد حدث ما يشبه هذه الحالة في صحيفة (الثورة) قبل سنوات طوال حين سافر إلى خارج سورية الراحل خليل صفية الذي كانت الصحيفة تعتمده ناقداً تشكيلياً لها فناقشت هيئة تحريرها موضوع البديل وإذا بأحد أعضائها يقترح إلغاء مواد الفن التشكيلي من الصحيفة بالحجة ذاتها : أنها (نخبوية) وعدد قرائها قليل !! ( رواق الفنون) يستحق الجائزة التي نالها ،وأكثر منها أيضاً، فهو مشغول بحرفية وحب كبيرين وقد قدم – ولايزال - بلغة جميلة وصورة راقية معظم التظاهرات التشكيلية في سورية ، والكثير من فنانيها ولاسيما الشباب منهم. ومن المصادفات البليغة أن فوز البرنامج تزامن مع لقاء صحفي استضاف الفنان الشاب قيس سليمان أشار فيه إلى مسألة (النخبوية) عاقداً مقارنةً بين الفن التشكيلي والموسيقا الكلاسيكية مشيراً إلى أن الأخيرة هي فن نخبوي بدورها، إلا أنها استطاعت بفضل الاهتمام بها أن تكسب عدداً متنامياً من المتابعين لأنشطتها حتى صار بإمكاننا الحديث عن جمهور للموسيقا الكلاسيكية.. وللحقيقة فإن الفن التشكيلي حظي بدعم رسمي مشابه وواسع في الفترة ذاتها التي كانت فيها الدكتورة نجاح العطار على رأس وزارة الثقافة فبلغ الاهتمام بالمعرض السنوي أقصى مداه. وتضاعف اقتناء الأعمال الفنية والمبالغ المرصودة لأجل ذلك، وكثرت المعارض الخارجية والمعارض المستضافة ، وصدرت مجلة (الحياة التشكيلية) المتخصصة ومعها العديد من الكتب الفنية ،وأسس بينالي المحبة، وشرع بالخطوات الأولى لإقامة متحف الفن الحديث، حلم الفنانين الدائم..وعلى المستوى المعنوي رعت الوزارة والوزيرة شخصياً معظم المعارض الفنية. وحتى تلك المعارض التي لم تكن تفتتح برعايتها كانت الدكتورة العطار تحرص على زيارتها في وقت لاحق تشجيعاً للفنانين ومنهم الشباب الذين يعرضون للمرة الأولى وأصحاب التجارب اليانعة..هذا الحراك خلق واقعاً لم يعد ممكناً معه الحديث عن إلغاء المواد التشكيلية من الصفحات الثقافية بأي حجة كانت ،وصار لزاماً على الصحافة وغيرها من الجهات الإعلامية أن تترجم حيوية المشهد التشكيلي ، وأن تبحث بالتالي عن مهتمين بالفن التشكيلي من بين محرريها أو ضيوفها ..ومع ذلك فإن مسؤولية نشر الثقافة التشكيلية لا تقع على عاتق الجهات الثقافية وحدها . فالمؤسسة التعليمية بفروعها جميعها تتحمل مسؤولية أساسية في هذا المجال . هي على الأقل مسؤولية محو الأمية الفنية وتحرير الأجيال القادمة من أفكار خاطئة شائعة تعد الفن التشكيلي وافداً غريباً على ثقافتنا فتلتقي من حيث لا تدري- أو تدري – مع نظريات عنصرية غربية تنفي كل مساهمة لنا في التراث الإبداعي الإنساني ، وتعتم – لأجل ذلك – على إبداعات تمتد دون انقطاع لأكثر من ستة آلاف سنة .. لكن هل ينفي ما سبق المسؤولية الشخصية للأفراد؟ وكيف يمكن تحميل فن كالفن التشكيلي مسؤولية نخبويته وهو المتاح للجميع دون أي تكلفة مادية؟. skasem@scs-net.org
|