وأنا لن أتحدث عن العدو الصهيوني العنصري النازي المحتل لفلسطين وطرق العقاب الجماعي للسكان الأصليين لفلسطين.
فهذا أمر صار واضحاً للعيان ولن ينتهي إلا بزوال «إسرائيل» من الوجود على أرضنا وأوطاننا. وهو أمر ممكن. كما لن أتحدث عن تلك العقوبات الجماعية للشعب العربي في العراق من قبل الاحتلال الأميركي البغيض والاحتلال بغيض بالضرورة، ولكن ذلك تأكيد ليس إلا.
ولن أتحدث عن العقاب الجماعي في الحروب الأهلية التي تأكل الأخضر واليابس، بل عن أمر أبسط من ذلك بكثير.
تأمل معي أيها القارئ العزيز المشهد التالي:
يستيقظ الأب والأم والأولاد ويحضرون أنفسهم كي يغتسلوا للذهاب إلى العمل والمدارس، يفتح أحد الأولاد صنبور الشرب فإذا الماء مقطوع. يحاولون جاهدين كل بطريقته فلايجد ماء.
يقرع أحدهم باب بيت الجيران، ليسألهم ما إذا كان الماء مقطوعاً، فيأتي الجواب له الماء ليس مقطوعاً.
لكن شخصاً جاء وقطع الماء عنكم لأنكم تأخرتم عن دفع عدة فواتير صرف الماء.
ترى ماهذه العقوبة المتخلفة والهمجية. من هو المعاقب؟ الأسرة جميعها معاقبة الأب والأم والأولاد.
أو تأمل المشهد الآخر: فجأة ينطفئ التيار الكهربائي عن البيت أيضاً بسبب التأخر عن دفع فواتير صرف الكهرباء تخيل بيتاً -الآن- بلا كهرباء، الأسرة كلها قد عوقبت، وليس هذا فحسب، بل إن الشخص الذي قطع التيار الكهربائي يأخذ معه عداد صرف الكهرباء «ساعة الكهرباء» وهي بالأصل مدفوعة الثمن، هذا شكل آخر من العقاب الجماعي وهو عقاب متخلف.
ترى أليست هناك طرق أخرى لاستيفاء رسوم الكهرباء والماء من رب البيت دون معاقبة أفراد أسرته، دون عقاب جماعي، ماذنب الأم والأولاد إذا تخلف رب الأسرة عن «الدفع» وهب أن رب الأسرة ليس لديه المبلغ المطلوب فوراً، أو في فترة قد تصل إلى شهر، ماالذي تفعله الأسرة عند هذا.
الشخص المكلف بالقطع شخص مأمور ليس له ذنب وكل مايتفوه به: «المدير متشدد بهذا الموضوع، بل قد يعقابنا إذا لم نقم بالقطع».
هذا المدير المتشدد قد نجده في القادم من الايام شخصا متهما بالفساد. أقول قد وما أظن إلا ظناً، يجب وضع حد لمثل هذه العقوبات فورا، واجتراح طرق عقلية وانسانية لتحصيل الرسوم.
وهناك عقوبات غير مباشرة وليس مقصودها العقوبة لكنها تنطوي على معنى العقوبة، وثيقة اللا حكم عليه أو «وثيقة غير محكوم».
يتقدم عشرات الآلاف لشغل وظائف في المؤسسات الحكومية، ويطلب منهم جميعا ان يأتوا بوثيقة انهم ليسوا محكومين بجرم ما.
قد يكون عدد من المتقدمين محكوم، وقد لا يتجاوزون عدد اصابع اليدين. فهل من الحكمة ان نطلب من الآلاف وثيقة من اجل عشرة، أليست هناك وسيلة مدنية متحضرة لدى كل مؤسسة تعرف على اساسها المحكوم من غير المحكوم دون هذا الاجراء المسمم للروح.
هل استمر في ضرب الامثلة الواقعية! طبعا لا، لن استمر، لكن هناك قضايا في الحياة اليومية يمكن ان تجعل الحياة اليومية ثقيلة ومعالجتها تحوّل الحياة الى حياة مريحة.