تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


إعصار كاترينا..عقم السياسة وسوء الإدارة

دراسات
الأحد 11/9/2005
د. حيدر حيدر

مع بدء انحسار مياه إعصار كاترينا, بدأت تطفو على السطح تداعياته الكارثية, ليس في نيو أورليانز وحدها, بل في عموم الولايات المتحدة الأميركية لتصل أصداؤها إلى أرجاء المعمورة.

العالم أصيب بالذهول جراء حالة التخبط والانفلات الأمني والعجز عن التعامل مع تداعيات الإعصار ومشاهد الجثث المتعفنة في الشمس وعمليات السلب والنهب وحالات الانتحار في صفوف رجال الاطفاء والشرطة الذين أصيبوا بصدمات قوية..‏

من استطاع النجاة من الكارثة وجد نفسه يحمل اسم لاجىء, فاحتج على التسمية, فكأنه ليس مواطناً في هذه الدولة الغنية والقوية, أما الآخرون فبقوا ليواجهوا مصيرهم البائس.‏

وكما قال السيناتور آلايفا كمنغر: إن من يحدد من عاشوا ومن قتلوا في هذا الإعصار المدمر هوالفقر والسن ولون البشرة.‏

فمن المسؤول عن الجانب الإنساني لهذه الكارثة?!‏

أهي الليبرالية المنفلتة من عقالها, حتى لا نقول المتوحشة, فرغم التحذيرات المتتالية عن قرب وقوعها لم تحرك الإدارة الأميركية الحالية ساكناً للتخفيف من آثارها.‏

مراكز الأبحاث المختلفة في طول البلاد وعرضها ومعها دراسات آلاف الخبراء والمختصين, أكدت أن الولايات المتحدة معرضة لثلاثة أنواع من الكوارث وطبعاً, كان هذا قبل هجمات 11 أيلول, أعمال إرهابية وزلزال في كاليفورنيا وإعصار في نيو أورليانز.‏

وإذا كانت إدارة بوش حاولت الدفاع عن نفسها عقب تفجيرات نيويورك وواشنطن, فإنها الآن محرجة ويصعب عليها تبرير التقصير في الإعداد الجيد لمواجهة الكارثة الحالية, ففي الولايات المتحدة يتحدثون الآن عن (وقائع جريمة معلنة) بحسب وسائل الاعلام.‏

(الوكالة الفيدرالية لإدارة الأزمات) همشت ودمجت بوزارة الأمن الداخلي المستحدثة مع وضع مسؤولين مقياس كفاءاتهم هو الولاء للبيت الأبيض.‏

فلا الدراسة التي وصلت قبل عام والمحذرة من مخاطر تحيق بأورليانز جراء نقص التحصينات ما يجعلها مهددة من إعصار محتمل, ولا الإعصار المدمر نفسه, جعل الإدارة الأميركية تتحرك بسرعة للتخفيف من النتائج الكارثية, فالرد على اقتراح سلاح الهندسة في الجيش تدعيم التحصينات حول المدينة.‏

كان رفض دفع الكلفة, وتم التشكيك بنتائج الدراسة, وكانت العواقب وخيمة ودفع وسيدفع الأميركيون العاديون الكلفة الباهظة لغضب الطبيعة ولإهمال ساستهم بل لسياسة إجمالية رعناء رفعت القطاع الخاص إلى مرتبة القداسة, معتبرة أن الخلاص يأتي من الشركات الضخمة ونخبها الفنية.‏

وترجمت هذه السياسة إلى الواقع بتخفيف الضرائب عن الأغنياء وتم تقليص البرامج الحكومية المتعلقة بالخدمات والبنى التحتية بدءاً من الصحة وانتهاء بالتعليم ومكافحة البطالة والفقر.‏

وبدلاً من مكافحة الجوع والبؤس والتخلف والأمية, رفعت شعارات أمام الأميركيين والعالم أن المشكلات الكونية تكمن في (الإرهاب والدول الشريرة واسلحة الدمار الشامل) وأن الحل هو في محاربة هذا الثالوث متجاهلة أن ركضها وراء النهب والربح الفاحش.ولو أدى إلى الدمار, هو المعضلة الأساسية, فالإدارة الأميركية الحالية تعارض اتفاق كيوتو المعروف, وقد انسحبت منه, وتهمل الأبحاث العلمية الجادة التي تؤكد أن ارتفاع حرارة الأرض يمكن التحكم به لأنه ناتج عن عوامل بشرية ينبغي ويمكن معالجتها.‏

نتائج هذه السياسة ماثلة للعيان, حروب ومواجهات وقتل ودمار في أنحاء مختلفة من العالم وكوارث طبيعية مدمرة تطول أميركا نفسها وهي أغنى وأقوى دولة في التاريخ.دون اهتمام جدي لمعالجة مشكلات البشرية الحقيقية والتي تهدد بمزيد من الفوضى والدمار والقتل.‏

ففي العراق مثلاً, زعمت إدارة بوش أنها ذاهبة للقضاء على اسلحة الدمار الشامل, التي لم تجدها, ثم زعمت أنها بصدد بناء الديمقراطية في هذا البلد المنكوب, والنتائج واضحة مزيد من القتل والدمار والفوضى.‏

وزعمت أيضاً أنها هناك لمحاربة الارهابيين, كي لا يأتوا إلى المدن الأميركية, وذهبت مواردها البشرية والمالية إلى حرب ضد بلد لم يهدد أميركا يوماً ما ولا يستطيع القيام بذلك.‏

أما شبابها المدربون فهم بعيدون آلاف الأميال عن بلادهم وثلثهم من الولايات المنكوبة بالإعصار, وجاء غضب الطبيعة ليعري المنظومة الفكرية التي تستند إليها الإدارة الحالية ويكشف زيف ادعاءاتها حول محاربة الارهاب في الداخل والخارج ويبين عقم سياستها الخارجية والداخلية في آن.‏

ثمة من يتحدث عن إخفاق سياسي وأنه نتيجة طبيعية لسياسة شديدة الانحياز اجتماعياً على الصعيدين الوطني والدولي, إنها النتيجة المنطقية للعولمة النيو-ليبرالية البعيدة عن الأهداف الحقيقية للبشرية في الألفية الثانية والتي تريد البحث عن حلول حقيقية وواقعية لكوكبنا بعيداً عن الشعارات الحالية لإدارة لا ترى في المرآة إلا نفسها ومن تمثلهم من الأغنياء فاحشي الثراء العاجزين عن فهم مشكلات العالم الحقيقية.المتقوقعين في جزرهم الفارهة المعزولة, والرافضين لإدراك مأساوية الفقر داخل أميركا وخارجها.‏

إن ما حدث في أورليانز يبرهن من جديد أن الحلول الحقيقية لمشكلات البشرية تكمن في التعاون الخلاق للتخلص من الفقر والتخلف ومواجهة الكوارث الطبيعية والبيئية, وليس شن مزيد من الحروب ومعاداة العالم والتساؤل بعد ذلك لماذا يكرهوننا.‏

مأساة أورليانز وتداعياتها تطرح تساؤلاً جدياً عن المدى الذي وصلت إليه سياسة متهالكة أوصلت بلادها والعالم إلى نفق مسدود, فهل من مخرج?!‏

الزمن القادم لديه الجواب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية