فقد كانت الشغل الشاغل للأجيال في الجامعات وخارجها، وما نذكر أن سنة جامعية كانت تمر دون مهرجان أدبي «شعري» إن لم يكن أكثر، أو مهرجان للقصة أو للمسرح الجامعي.
وكانت مختلف أقسام كلية الآداب بجامعة دمشق وعلى الأخص قسم اللغة العربية تقيم سنوياً مهرجانات حافلة ساعدت إلى حد كبير على تنمية مواهب الطلبة الذين غدوا فيما بعد نجوماً لها حضورها الفاعل في الحياة الثقافية العامة وفي الحركة الأدبية والفنية الجامعية والعامة فيما بعد.
وكذلك الحال في قسم اللغة الإنكليزية، وعلى الأخص ما يتصل بالمسرح، إذ عمل الأساتذة والطلاب كخلية نحل لإنجاز مسرحية أو أكثر في السنة الواحدة، وقد كان من الأيادي البيضاء لهذا القسم أنه خرّج مواهب عرف لها المسرح عموماً والدراما التلفزيونية حضوراً لا يزال يتجدد حتى يومنا هذا.
ينضاف إلى ذلك الحضور الفاعل لكلية الهندسة ومسرحها الذي احتوى نشاطات كبيرة لطلاب جامعة دمشق في جميع المجالات الثقافية من أمسيات أدبية ومحاضرات وأنشطة مسرحية وسواها، أشرف عليها أساتذة دؤوبون كان في مقدمتهم الدكتور غسان المالح «من قسم اللغة الإنكليزية» الذي أولى الحركة المسرحية الجامعية كثيراً من اهتمامه فأشرف بنفسه على إنجاز عدد كبير من المسرحيات التي قدمت على مسرح كلية الهندسة لأنه كان - أساساً - مدرساً لمادة المسرح في قسم اللغة الإنكليزية.
ولا يذكر أحد ممن عاصر تلك الفترة وما تلاها أن يمر عام دراسي دون أن يكون حافلاً بالنشاطات الثقافية المختلفة التي توزعت ما بين مدرج جامعة دمشق ومقصف الأزروني ومسرح أو مدرج كلية الهندسة المدنية.
ولقد كان يومها لاتحاد الطلبة دور كبير في إقامة مثل هذه المهرجانات الثقافية التي غدت تقليداً، ومن اللافت حينها أن الأساتذة والطلاب تضافروا جميعاً لإحياء هذه المناسبات وأغنوها كما فعل الدكتور غسان المالح.
ولابد ونحن في صدد الحديث عن المهرجانات الثقافية والأدبية في جامعة دمشق من القول إن اتحاد الطلبة والأساتذة والطلاب قد اشتركوا بجهود واحدة وبعمل أسروي لتقديم تلك المهرجانات وإنجاحها، بل كان الأساتذة عامة في طليعة من يحضرونها ويشرفون عليها.
ولا نزال نذكر أن الاتحاد كان في ختام كل مهرجان شعري أو قصصي أو مسرحي يستضيف عدداً لابأس به من القامات الشعرية والأدبية والثقافية في سورية، للمساهمة في تقويم المواهب التي تقدمها تلك المهرجانات وفي توزيع الجوائز على الفائزين، ليختتم كل مهرجان بندوة حوارية ما بين المشرفين وبين المشاركين والفائزين على حد سواء، تتخللها حوارات متشعبة وغنية تعطي لهذا المهرجان ألقاً جديداً يضاف إلى تألقه السنوي المستمر.
إن الحديث عن هذه المسألة لا يتوقف عند نشاط جامعة دمشق ورغم أنها كانت من أكثر المحرضات على تنمية المواهب وصقلها وبرعاية الأساتذة واتحاد الطلبة وبمشاركة نخبة من ألمع أدبائنا، بل يتعداه إلى القول إن الحركة الثقافية يومها كانت تمور بالنشاط وتفيض عليها الساحة الثقافية بأسماء غدت لاحقاً نجوماً لامعة في المجال الأدبي بأنواعه بما في ذلك المجال المسرحي.
واليوم يكاد هذا النشاط يقتصر على ما تقدمه المراكز الثقافية وعلى بعض البرامج التلفزيونية والإذاعية وعدد من الصفحات الثقافية في الجرائد وفي المجلات المتخصصة.
ما من شك في أن وراء هذا الركود الثقافي الجامعي وغيره أسباباً متعددة لربما كان في طليعتها كثرة عدد الطلاب الجامعيين الذين فاقوا الأعداد القديمة بعشرات الأضعاف إن لم نقل أكثر، وضيق الأمكنة التي تشكو منها الجامعة، وتنامي المجتمع الاستهلاكي الذي غدا فيه الشغل الشاغل للناس هو تأمين لقمة العيش، والتسابق المنقطع النظير لحصول الخريجين الجامعيين على فرصة عمل باتت هي الأخرى كالأحلام!!
ولئن قال قائل: إن الساحة الثقافية لا تقتصر على الجامعات وحدها، نقول: نعم رغم أن الجامعة بأنشطتها المذكورة، هي النواة الحقيقية لرعاية المواهب، وأن ما يتم من مناسبات أخرى يغدو النشاط الثقافي الأدبي حركة على هامشها وليس أساساً لها!
ومن انكماش الحالة الثقافية والذائقة العامة فيها تبدو حالة الكتاب وتوزيعه وركوده، مؤشراً واضحاً وصورة عن ذلك، ويبرز في هذا المضمار أثر الانترنت والفضائيات في تراجع حركة الكتاب وتوزيعه.
ومن المؤكد أن المهرجانات الجامعية وحدها، لا تخلق وضعاً ثقافياً عاماً، إلا أنها في النتيجة، لبنات وأساسات شاركت بشكل لافت في بناء المستقبل الثقافي لأجيالنا، والمستقبل الأدبي منه على وجه الخصوص.
وإذا كان ثمة مناسبات سنوية لبعض المهرجانات هنا وهناك فإنها على وجه التحديد لا تأتي بخامات أو مواهب جديدة، بل تكاد تقتصر على الأسماء الأدبية المعروفة في سورية وجوارها، ومع هذا فإننا لا نقلل من شأن وأثر هذه المهرجانات في إغناء الحركة الأدبية والثقافية عندنا، بل نتطلع إلى دور أكبر نتوخاه من الجهات ذات العلاقة لتحفيز وتفعيل دورها في بلادنا، إذ تبقى الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية جمعاء، ويبقى الأدب والشعر منه خاصة هو من أهم حملة هذه الراية.