ووعد بلفور الذي تهمله كتب التاريخ عندنا يكتسب أهمية حاسمة لفهم الحروب الإسرائيلية على العرب، وخاصة النضال الفلسطيني بمواجهة المعتدي الإسرائيلي، وفلسطين كانت سابقاً تحت حماية الإمبراطورية البريطانية وقامت ملكة بريطانيا عام 1917 بتقديم الوعد بها لروتشيلد اليهودي الأوروبي.
فكان إنشاء إسرائيل عملية طويلة حضرها ودعمها الغرب باستمرار وساهم فيها أيضاً المتعصبون الأميركيون والإنكليز، المتدينون، الذين زعموا حتمية العودة إلى الأراضي المقدسة لأن وجودهم فيها ضروري من أجل قيام الساعة، ويساهم بجعل دولتهم «إسرائيل» منطقة عازلة بين الغرب و«الوحوش» في الشرق.
وبهذا يبدو أن لامبرر مقبولاً لإنشاء إسرائيل الذي يعد ظلماً كلياً جعل فلسطين كلها جيباً استعمارياً لايقبل حكامه أي انتقاد، وما إن يوجه شخص ما النقد لهم حتى يتذرعوا بأن ثمة شعباً عاش ألفي عام يقاسي الآلام.
والسؤال الآن: ألم يحن الوقت للحديث عن الظلم والمعاناة، اللذين أحاقا بالشعب الفلسطيني في كل نقاش يثار؟ ويقول إبرهام بورغ الرئيس السابق للكنيست إن مايجري بعد انتهاء الألفي عام وقيام إسرائيل هو أن ثمة شبقاً في بناء المستعمرات تحت قيادة زمرة فاسدة تسخر من القوانين والواجب الأخلاقي المتحضر.
إسرائيل هي صورة الاستعمار الحديث، دولة عنصرية وعدوانية، وهي آخر دولة ظلت تدعم نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقية، وقد حماها الغرب تحت جناحيه لكونها نموذجاً للاستعمار الحديث ومازالت الصداقة بين المستعمرين مابين الأمس واليوم، مزدهرة منذ ستين عاماً ونيفاً.
وقد استخدمت لإنشائها أساليب مشابهة للتي استخدمتها الإمبراطوريات الأوروبية في القرن التاسع عشر، حيث قامت حكومة أمر واقع نصبت عن طريق القوة على أرض محتلة، بقتل وتشريد أكثر من مليون وثلاثمئة فلسطيني يعيشون اليوم في مخيمات، وثلاثة ملايين يعيشون خارج المخيمات في البلدان المجاورة.
مذبحة دير ياسين عام 1948 تبين ماجرى للفلسطينيين الذين تشبثوا بأرضهم، وغدا استخدام الإرهاب في الاستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية ذا جدوى على أكثر من صعيد، وأدى تشريد الشعب الفلسطيني وترويعه بالمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، إضافة إلى الحرب الإسرائيلية- العربية الأولى التي لقيت دعم أوروبا انتصاراً لإسرائيل، إلى الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بزعم أنها فارغة من سكانها، إضافة إلى وضع قانون «أملاك الغائبين» وكذلك قانون «عودة» أي يهودي، الذي صدر عام 1949 باسم حق المواطنة الإسرائيلية وشدد الخناق على من تبقى من الفلسطينيين، ومع كل ذلك كان الاستيلاء على الأراضي في بدايته فحسب، وتم آنذاك سحق المقاومة، على حين أن الممارسات العنصرية صورت على أنها لها مايبررها، وعلى حين أن الإمبراطوريات الأوروبية استجابت لرغبات الشعوب في الاستقلال في الستينيات من القرن الماضي، فإن إسرائيل لاتزال تُشرّع الاحتلال اللا مشروع.
وفي عام 1956 اندلعت الحرب الإسرائيلية العربية الثانية بسبب تأميم قناة السويس من قبل الرئيس جمال عبد الناصر وهو الرجل المتنور، الذكي وأحد الوجوه المناهضة للامبريالية، والمساهمين في إنشاء حركة عدم الانحياز، وكانت خطوة التأميم جريئة، ولكن الدعم الغربي لإسرائيل جعلها فيما بعد تحتل قطاع غزة وضم الجولان، وحرب حزيران 1967، الحرب الثالثة، زعمت إسرائيل أنها هجوم وقائي، هو مصطلح دعاية تحبه إسرائيل كثيراً عندما تريد أن تجعل عدوانها شرعياً، ما أدى إلى مضاعفة الأراضي التي تحتلها ثلاث مرات، عن طريق احتلالها غزة وسيناء، والجولان والضفة الغربية والقدس، ولاتزال هذه الحرب تلقي بتداعياتها حتى الآن من خلال الصراع الذي يحتدم في الشرقين الأدنى والأوسط، وذلك بسبب الاستيلاء على القدس الذي لقي تأييد أكثرية دول الغرب، ثم بسبب أن حكومة الاستعمار الإسرائيلية قامت بتكثيف الاستيطان والنشاطات الاستعمارية في الجزء الشرقي من القدس حيث المسجد الأقصى، ومن الواضح أن النشاط الاستيطاني يشمل طرد الفلسطينيين وتدمير منازلهم، إضافة إلى الصراعات اليومية بين المستوطنين اليهود وسكانها الشرعيين والتي لاتخلو من ممارسات الإذلال ضدهم، التي تقوم بها قوات الشرطة والجيش الإسرائيلية، ومن جهة أخرى تدأب إسرائيل على حماية المستوطنين بالجدران، مع أن حدود 1967 هي أساس مطالب الفلسطينيين والعرب.
وبعد الحرب الثالثة كانت هناك حروب أخرى، حرب الاستنزاف (1968-1970) وحرب تشرين 1973 والاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982، والانتفاضة الأولى (1987-1993) والانتفاضة الثانية (2000) والعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، والحرب الأخيرة على قطاع غزة 2008-2009.