وبمناسبة صدور الرواية زارته دائرة الثقافة من مجلة نوفيل اوبسرفاتور في منزله الكائن في منطقة فالدواز في باريس المحاط بسور قديم وللدخول إليه على المرء صعود بعض السلالم العتيقة التي استهلكت ربما من خطوات جويس وسرفانتس اللذين وحسب الروايات كانا يزوران المكان باستمرار لذلك اتخذه خوليان ريوس ملاذاً له، ومن هذا المنزل الذي يطل على نهر السين يتكئ عاشق «مدام بوفاري» على الشرفة ليراقب الزوارق ليلاً ويلحقها بالنظر لأنها ستمر بعد حين في بلدة كرواسه تحت نافذة البيت الذي سكنه فلوبير، لكن أجمل ما في المكان مكتبته الجميلة التي غالباً ما ينهض إليها ليلتقط هذا الملف أو ذاك، مما كتب هو بمؤازرة أصدقائه الرسامين ليبدو هذا الكاتب العملاق وقد سيطر على العقول مجتمعة.
خوليان ريوس قارئ كبير ذو معرفة موسوعية وهو أيضاً روائي متيقظ خاصة لميثولوجيا العصر الحديث وقد اختار إحدى الميثولوجيات ليكتب عنها ألا وهي موت الأميرة ديانا فيخصها برواية رائعة بطلها راو مترجم يطل من نوافذ مسكنه على جسر ألما الباريسي قريباً من النفق الذي قتلت فيه الأميرة الحسناء، وكثيراً ما وقف مع الأشخاص الذين أتوا إلى هنا وكأنهم أبطال خرجوا لتوهم من روايات الكاتب الروائي هيسمان (1848-1907)، أبطال مولعون كغيرهم بالأميرة وبكشف الإشاعات التي تكبر من مكان إلى آخر حول أسباب الحادث، فهل حقاً ماتت الليدي ديانا في ذلك اليوم داخل سيارة الميرسيدس التي كان يقودها هنري بول مسؤول الأمن في فندق ريتس؟
من هو ذاك البوذي المقتنع بأن ديانا هي الكاتب سيلين الذي مات يوم ولادتها وكأن روحه تناسخت في جسد الأميرة ومن تكون كميليا اللغز؟ التي ذهبت أيضاً ضحية حادث سيارة مرعب عندما اصطدمت سيارتها بشجرة الدلب في بولفار فانسان اوريول في باريس والتي نقلت وسط مشاعر المعجبين إلى مشفى لابيتيه في باريس وهو المشفى ذاته الذي نقلت إليه الأميرة ديانا.
الرواية لا تملك الصفات التي تملكها الروايات التي تعد للمسلسلات لأنها تحكي دقائق عصيبة لحادث مؤلم، إنها بالواقع رواية كلية شاملة تنتمي للمدرسة الطبيعية وفي نفس الوقت إلى السريالية، حيث السمو يحاذي الغرابة وتتجابه الحسابات في المجلات الباحثة عن الفضائح مع القدر المأساوي ذي الطابع الإغريقي، لكن الرواية قبل كل شيء هي استئثار أدبي واسع ومعقد، وهذه الرواية أول مثوى يكرسه الكاتب للأميرة وبالمجمل نقول إنه كان لديانا في هذا الكتاب المراسم الجنائزية التي تستحق.
وعن سؤال: «إذا كانت رواية «جسر ألما» تروي قصة الحادث الذي أودى بحياة ديانا يجيب خوليان ريوس: إن الحادث شكل نقطة البداية مع موت الأميرة، لكن الرواية مأساوية هزلية فيها الكثير من الشخصيات تجذبهم القصة كما يجذب الضوء فراشات الليل، والكتاب أيضاً فيه من «الجنون الهذائي» الذي يحيط بنا من كل حدب وصوب مع ما تعيشه مجتمعاتنا من التآمر في كل مكان، وواحد من شخصيات روايتي بوذي المذهب وهو متمسك بقناعته أن روح ديانا هي روح الكاتب الكبير لويس فرناند سيلين الذي مات يوم ولادتها.
الكاتب خوليان ريوس يوصف بالقارئ الكبير يقول: إن كل مؤلف يولد من خلال قراءة كتّاب الأمس ورغم التأثيرات المتناقضة يبقى أخيراً ما هو شخصي لدى الكاتب، وهو شديد الإعجاب بالثالوث الذي شق طريق الأدب وهم سرفانتس ورابليه وستيرن، إلا أن طريقه كان أكثر ألفة مع سرفانتس كثائر في طريقة سرده يلعب في تسلسل الأحداث مسبّقاً واقعة على أخرى بينما ستيرن يقلب العلاقة عند القراءة من خلال اللعب بالمساحات البيضاء وطريقة الطباعة وتتالي الصحفات، أما رابليه فقد استطاع دمج مستويات مختلفة من اللغات، فتارة يستخدم لغة العلماء وتارة أخرى لغة شعبية أوسع.
وعن سؤال: من ملهمه في الأدب، لأن كل أديب لابد له من ملهم يقول ريوس: إن بورجس استعار من إليوت فكرة أنه يمكن للكاتب أن يخلق ملهميه وليس من الضروري أن يولد الكاتب من أب وأم ينتميان للأدب وقد يبعث للحياة من جديد كتّاب منسيون إذ إن كاتباً يمكن أن يبقى مغموراً لسنوات بل لعدة قرون ثم بضربة عصا سحرية نراه يخرج إلى النور لأن كاتباً آخر استطاع أن يبعثه من جديد ويلقي الضوء على ساحته الأدبية التي بقيت طويلاً في الظلام. وكل كاتب يضيء جزءاً من الحقيقة التي لم نرها، وبدلاً أن نتصور أرضاً مسطحة نكتشف أن هناك تلالاً وينابيع وأنهاراً ومساكن مأهولة.
ويوضح ريوس تعلقه الكبير بالكتاب الكلاسيكيين منذ حداثة سنه يوم كان في الخامسة عشرة من عمره حين أهداه أبواه المجموعات الأدبية الكاملة لشكسبير وسرفانتس يقول: لا يوجد سطر واحد كتبه شكسبير إلا وفيه إبداع ولا يوجد سطر واحد لشكسبير إلا وفيه كنز مخبأ.
كذلك أحب جويس ورأى فيه استمراراً لرابليه أو سرفانتس، لكن الأكثر أهمية بالنسبة له هو الفرنسي غوستاف فلوبير، ومن شدة تعلقه به اختار منزله قريباً من المكان الذي سكنه فلوبير، وعندما يرى الزوارق ليلاً تمر في نهر السين يقول في نفسه لن تتأخر في المرور أمام منزل فلوبير.
يقول ريوس عنه: كان يخبئ في كتبه المصاعب والعمل، إنه جبار وإرثه ثروة أدبية هائلة.
فلوبير يواري الصعوبات ويبذل كثيراً من الجهد لولادة الكلمة والجملة، كم كان بودي أن أسمعه يتحدث عن عالم اليوم وأن نقرأ له مراسلات عن عصرنا، وأخيراً يشير إلى أنه أيضاً مسحور بالكاتب موباسان وبإمكانه أن يكتب عنه رواية لأن قصصه منتشرة في إسبانيا ومعروفة كثيراً ولم يخف أنه يحلم دائماً بأنه يحتسي الشاي مع جاريه فلوبير وموباسان.