ما دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية في هذا السياق, هذا ما دارت حوله المحاضرة التي ألقاها الدكتور طلال عبد المعطي مصطفى في المركز الثقافي العربي بالعدوي, فبدأها قائلا: المفهوم العام للديمقراطية كطريقة في الحياة تعني الفرصة التي يتيحها المجتمع لأفراده للمشاركة بحرية في اتخاذ القرارات وفي نواحي الحياة المختلفة حيث يتضمن هذا المفهوم مجموعة من المعايير والتي تترجم إلى سلوكيات ومعتقدات وقيم أهمها: تقدير المشاركة العامة في اتخاذ القرار وضمانة حرية التعبير, ثم مسؤولية الفرد عن أفعاله, الاهتمام بالحقوق الإنسانية والابتعاد عن استغلال الآخرين بالإضافة إلى تحقيق العدالة بين جميع أفراد المجتمع.
خصائص الإنسان الديمقراطي والدراسة العلمية
تابع المحاضر حديثه فقال: أجمع الباحثون على مجموعة سمات يتصف بها الإنسان الديمقراطي أولها: المشاركة الاجتماعية والمساواة في هذه المشاركة, الاجتهاد في فهم مشاعر الآخرين واهتماماتهم مع تقبل الفرد للآخرين وتقبل فكرة التناقض والصراع وابتعاد هذا الصراع عن العنف, وأشير إلى أن هذه الخصائص مكنت علماء العلوم الاجتماعية والنفس من دراسة السلوك الديمقراطي دراسة علمية في سياق المعنى النفسي الاجتماعي لمفهوم الديمقراطية بالاستناد إلى مجموعة عناصر أولها
/ الشخصية/ ذاك التنظيم المتكامل والمتغير والمتفاعل وقد تأكد على أن تشكيلها يتم بمجموعة مؤثرات متنوعة ومختلفة والأهم بتأثير التنشئة الاجتماعية العملية التي يتحول الفرد بها إلى كائن اجتماعي مكتسبا السلوك والمعايير والاتجاهات التي تمكنه القيام بأدوار اجتماعية, لأنه بتراكم التفاعل الاجتماعي وتلك الأدوار بالإضافة إلى المهارات تتكون الشخصية, ويتزود ذلك الطفل بالخبرات, فثقافة الطفل لا تتم بصورة مجردة, وإنما من خلال المعايشة والتفاعل المستمر, من هنا لا يمكن فصل السلوك الديمقراطي عن جوانب السلوكيات الأخرى والتي تنشأ وتصبح جزءا من شخصيته, , حيث أكدت الدراسات والملاحظات التجريبية على العلاقة الوثيقة بين نمط رعاية الوالدين وبين سلوك الطفل وشخصيته وبينت تأثير الأسرة في إرساء السلوك الديمقراطي أو التسلطي.
دور التعليم
أشار الدكتور مصطفى إلى تأثير التعليم ودوره في خلق السلوك الديمقراطي فقال: إن المدرس والمدرسة يؤثران بشكل أساسي في عملية تنشئة الطفل إذ ينقلان الثقافة ويوفران الظروف المناسبة للنمو الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي, وهناك البحوث الكثيرة التي أثبتت ذلك منها بحث ( موللر) إذ أكد على أن سلوك المدرس الديمقراطي يضع أسس الرضا وينهي الابداع والاستقلالية والاتزان الإنفعالي والميول عند الفرد, أما سلوك المدرس المتسلط فينجم عنه انخفاض الدافع عند التلميذ وضعف قدرته على التركيز ثم زيادة التوتر الداخلي عنده وميله إلى الثورة والغضب.
هذا جانب أما الجانب الآخر فيتعلق بالأنظمة التعليمية رغم اصلاحاتها المتتالية إلا أنها تتسم بقمع المدرس للطالب وبالتالي تتحول الدراسة إلى تدجين ثقافي يبعد الطالب عن إعمال فكره أو تحليله أو تقديم النقد حيث يتعلم معتمدا على الترديد والحفظ, وإلغاء التساؤل والبحث وهذا كله يضعف الإبداع ويدعم نزعة الامتثال وتكون أنماطاً جديدة من التعامل والحوار وبالتالي يقع الطالب ضحية ثقافة القمع التربوية التعليمية والتلقي لنماذج متكاملة يحولها إلى سلوك دون تفهم أو نقد.
الأسس السليمة للسلوك الديمقراطي
يؤكد الدكتور في محاضرته على أن الجهل هو التربة الخصبة للتعصب, والمعرفة هي المكون الأساسي للسلوك الديمقراطي والذي يقبل وجهات النظر المعارضة, وبالتالي تعلم الطفل الوعي لتحيزاته المختلفة التي تمنع الأفراد الحكم بموضوعية على الآخرين تدعم تربية التفكير الديمقراطي.
وأشار المحاضر إلى أن السلوك الديمقراطي السليم يتركز على مجموعة أسس يتعلمها الطفل بدءا من الأسرة والتي يطلب منها الاعتراف بالخلاف الحاصل بين الأجيال والاعتماد على الحوار ثم التأسيس للفكر النقدي الذي هو أساس للتفكير الديمقراطي ثم يأتي دور المدرسة كي تشجع الاتصال الديمقراطي بين الطلبة والمدرسين لدفع الطالب للمشاركة في اتخاذ القرار إن كان في الفصل الدراسي أو المدرسة ولا ننسى دور وسائل الإعلام في هذا الجانب لأن اكتساب السلوك الديمقراطي وإرساءه في ثقافتنا يجب أن يبدأ من مرحلة الطفولة وعبر كافة المؤسسات التي يمر بها.