تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بصارة على....جبل قاسيون

مجتمع
الأربعاء 27/4/2005م
سعاد زاهر

لم أدرك مدى خطأ قراري بالصعود الى جبل قاسيون إلا بعد أن أصبحت هناك وعايشت ظاهرتين مزعجتين لكل من قصد الجبل هارباً من حالة ما.

الظاهرة الأولى: تمثلت بتلك الأفواج من الأطفال التي زحفت إلينا لا لتعرض بضاعتها فقط وإنما في محاولة لإجبارنا على الشراء دون أن تكل أوتمل, ولكثرة الإلحاح فإن الكثيرين يشترون تلك البضاعة, وبعضهم يرميها بغضب خاصة وأنه لا يملك حلاً آخر.‏

والمشكلة ليست أنهم يقلقونك إذا لم تشتر منهم, بل كونهم يعطون صورة بعيدة كلياً عن الحضارة , فنحن وإن اعتدنا على مثل هذه الحالات لانتشارها في مختلف الأماكن, إلا أن السائح الذي أتى للاستجمام كيف سيفكر بأولئك الذين يقتحمون خصوصيته دون أن يأخذوا بعين الاعتبار أدنى حدود اللباقة التي تعتمدها عملية البيع والشراء, ولعلهم يتعاملون بتلك الطريقة لاعتقادهم أنهم بعيدون عن أي رقابة, وعلى ما يبدو أنها أصبحت ضرورية للحد من تصرفاتهم الفظة.‏

وإذا كان أولئك الباعة يلجؤون الى بيعك أشياء مادية ملموسة يمكنك على الأقل الاستفادة منها بشكل ما, إلا أن الأغرب أولئك النسوة الثلاث اللواتي يرتدين الأسود ويهجمن عليك كالقدر المحتوم ليبعن إليك ما تخبئه لك الأقدار, إنهن البصارات بطلات الظاهرة الثانية التي يعاني منها زوار قاسيون.‏

وعلى ما يبدو أنهن ينجحن في اختيار ضحاياهن جيداً, ويتمكن من انتزاع المال منهم بعد أن يضعونهم في حالة لا يدرون ما الذي أوصلهم إليها.‏

إحدى البصارات تربصت بنا لم تقترب مني, ولا أدري كيف أدركت أنني لا أؤمن بكل تلك الأمور, ولكنها اقتربت من صديقتي التي رافقتني لتتخلص من آثار تعب يومها المضني, وبحيوية لافتة باغتتها قائلة: (تلك السنوات الصعبة التي مررت بها ستنفرج هذا العام!).‏

تلك الصديقة التي كانت قد مرت حقاً بمشكلات عدة وصل بعضها الى أفق مسدود, أنعشتها تلك الكلمات عن الانفراج الساحر القريب الذي ستعيشه, وبدا عليها الاقتناع بكلام البصارة, ولا أدري إن كان يمكنني أن أبرر لها سوء حالتها النفسية ومعنوياتها المنهارة في تلك اللحظة تحديداً هو ما أوصلها الى تلك القناعة, وهي التي تحمل شهادة جامعية عليا وتتصف بمنطقية لافتة.‏

عندما تكتشف البصارة أن ضحيتها أصبحت على هذه الحال تبدأ بطلب ما تشاء من المال بطريقة ابتزازية لا تملك الأخيرة إلا الاستسلام لها, خاصة عندما تفك لها الخيط المربوط في يدها.‏

لست أدري إن كنت هنا ألوم البصارة التي لا تنفك تطور أساليب احتيالها, أو ألوم الكثير من الناس الذين يسمحون لأمثالهم بالسيطرة عليهم ولو للحظات أراها كافية لكي تبرهن أن المرء حينها ابتعد كلياً عن التفكير العلمي, هذا التفكير الذي يفترض بمجتمعاتنا تنميته ليدخل في أدق تفاصيل حياتنا.‏

في رحلة الى قاسيون لم تتجاوز الساعة عانينا كما يعاني الكثير من الناس ظاهرتين مزعجتين الى أقصى حد, والمشكلة أنها تحدث في هذا المكان تحديداً الذي يهرب إليه المرء ليسترق بعض اللحظات من الراحة.‏

إن هذه المشكلة تحتاج الى رقابة حقيقية من الجهات المعنية فهل من مجيب!!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية