ومع تزايد التهديد والوعيد لإبطال وقلب كل ما أنجز من تقدم خلال الشهر المنصرم نجد أن الخطر القادم الذي يحدق بمستقبلها هو ازدهار تجارة الأفيون وليس حركة طالبان التي عادت الى النشاط من جديد, فعلى سبيل المثال تبلغ نسبة ما أنتجته أفغانستان من محصول زراعة الأفيون خلال السنة المنصرمة 87% مما ينتجه العالم.
بعيداً عن الأضرار والأذى التي يسببها تعاطي الأفيون المنتشر بشكل عالمي بعد معالجته وتحويله الى هيروئين يعود اجمالي الدخل الناتج عن تجارة المخدرات غير المشروعة الى جيوب قادة الميليشيات المسلحة, والى جيوب الموظ¯فين الرسميين المحليين وهذا المدخول الضخم يبرر سبب مقاومة هؤلاء لكل الجهود والمساعي التي يبذلها الرئيس حميد كرزاي من أجل تحقيق السلام والديمقراطية.
لقد بدأت واشنطن أخيراً بالتعامل مع قضايا تجارة المخدرات والانهماك بنشاطات مشبوهة بكثير من الجدية والحذر التي غالباً ما تحتاج إليها معالجة هذه القضايا, وعلى الرغم من أن إيجاد حلول ناجعة وجذرية سوف تحتاج الى بعض الوقت والجهد والمال بالاضافة الى تأثير الجمهور المحلي في أفغانستان إلا أن اللجوء الى استخدام المرشات الجوية لم يعد يجدي نفعاً ليس فقط لأنه لا يجدي نفعاً في إيجاد حل جذري للمشكلة.
بل لأنه ينقلها من مكان الى آخر مقوضاً كل المساعي الجادة لإحياء نظام اقتصادي في الريف, تعتبر أفغانستان واحدة من أشد دول العالم فقراً ويعتمد النهوض باقتصاد أفغانستان مرة أخرى وعودة اللاجئين إليها على تزويد المزارعين الفقراء بسبل وطرق أقل ضرراً وتخريباً من أجل تأمين سبل العيش عوضاً عن زراعة وانتاج الأفيون وتتطلب هذه الاحتياجات إعادة بناء الطرقات المحلية وتطوير وسائل الري, وهكذا يتمكن النشاط الصناعي الريفي والمحاصيل البديلة مثل القمح من أجل أن تصبح قابلة للحياة والتطبيع من الناحية الاقتصادية, إلا أن المصداقية الوحيدة المتوفرة والمتاحة لدى العديد من المزارعين البسطاء هي عبارة عما يمنحهم تجار المخدرات من دفعات مالية مسبقة من أجل ضمان محاصيل الأفيون في الموسم القادم.
إنها السنوات الثلاث الأولى التي تحارب فيها أميركا المخدرات في أفغانستان بعد تدخلها السافر في شؤونه الداخلية وبعدما كانت تجارة المخدرات تحتل مرتبة دنيا في قائمة أولويات واشنطن, ولأن الجيوش البريطانية المفوضة لا تملك لا العدد ولا الأموال الكافية من أجل معالجة هذه المسألة بنجاح, لذلك سوف تتولى القوات الأميركية دعمها وتقديم المساعدة اللازمة لها.
إن الأوامر الصارمة التي أعطيت للجيوش الأميركية التي قامت بسلسلة من العمليات العسكرية في أفغانستان هي تجنب وتجاهل تجار المخدرات, إلا إذا حدث صدام ما -عن طريق الصدفة- في أثناء القيام بعمليات عسكرية هجومية تستهدف حركة طالبان وحتى ذلك الحين غالباً ما أحيلت قضايا المخدرات وتجارة المخدرات الى وحدات الشرطة الأفغانية التي تنقصها الكفاءة والقدرة من أجل معالجة تلك القضايا من خلال اتخاذ القرار المناسب ومواصلة العمل حتى يتم إنجازه بشكل فعّال.
أما الآن فإن الوضع قد أصبح مختلفاً تماماً إذ إن القوانين الجديدة التي صاغها وأصدرها البنتاغون ستسمح للجنود الأميركيين بتأمين الدعم المباشر لكل العمليات التي تقوم لمكافحة المخدرات ومدمني المخدرات وقد طلبت وزارة الدفاع الأميركية بزيادة ميزانيتها بنسبة أربعة أضعاف من أجل القيام بهذا العمل.
لقد أجلت أفغانستان مرة بعد مرة انتخابات المجلس النيابي الذي قرر انعقاده في شهر أيلول المقبل وعلى خلاف الانتخابات الرئاسية التي جرت خلال السنة المنصرمة, لا يمكن أن نتوقع النجاح لتلك الانتخابات إلا إذا عمّ الأمن والسلام والاستقرار معظم أرجاء البلاد واضعين نصب أعيننا أن نجاح ذلك مرهون أيضاً بالحد من نفوذ وثروة تجار المخدرات المتزايدة والتي تعتبر العثرة الحقيقية في طريق نجاح الانتخابات أي في طريق الديمقراطية.
وهكذا فإن الحرب في أفغانستان اليوم قد تحولت الى حرب ضروس ما بين الأفيون والديمقراطية فلمن ستكون الغلبة?