طبعا تأتي هذه العبارة بصيغ مختلفة.. لكن لها مؤدى واحد, وتطرح سؤالا واحدا.. هو:
¯ لماذا ..?!
لماذا تكون العلاقات الاقتصادية والتجارية أقل من علاقات الصداقة والعلاقات السياسية..?!
بمعنى آخر: أي منهما تؤسس للأخرى, وتبني لواقع أعمق في العلاقات..?!
لا شك أن ثمة ظروفا موضوعية تتحكم جزئيا بمسألة التباين بين العلاقات السياسية من جهة والعلاقات الاقتصادية التجارية من جهة أخرى.. ذلك أن قيام علاقات صداقة وتعاون سياسي بين الدول المتشابهة في واقعها الاقتصادي والتكنولوجي, ربما أسهل.. لأنها غالبا تكون خضعت لظروف تاريخه وجغرافية متشابهة.. أعني أسهل من علاقات تعاون وصداقة سياسية بين دول نامية ودول متقدمة إذا استثنينا مفهوم التبعية.
وهذا التشابه الذي يسهل إقامة علاقات تعاون سياسي وصداقة, هو لا يسهل العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري.. بل ربما يعيقها.. الدول المتشابهة قد لا تجد ضالتها كل منها لدى الأخرى, سواء في الاستيراد أو في التصدير, إن كانت تقنياتها متشابهة وأسواقها متشابهة.. وبالتالي فإن الدول النامية عموما تبدو أشد حاجة لشراكات تجارية مع الدول المتقدمة تقنيا وصناعيا تحت ضغط الظروف الموضوعية..
لكن السؤال:
هل يبدو مستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول النامية متناسب فعليا مع ما تفرضه هذه الظروف الموضوعية.
يعني:
هل العلاقات التجارية العربية البينية مثلا, تغلق الساحة الكاملة التي تتركها لها الظروف الموضوعية..?!
بعد تطبيق اتفاقية التجارة الحرة العربية, بدأت تظهر علامات تطور مهمة في التجارة البينية, وهذا لوحده كاف للقول أن هذه التجارة لم تكن ضحية الظروف الموضوعية وفقط.. بل ثمة ظروف إرادية جعلتها هكذا..
الآن اسأل بالنسبة لسورية:
من يحدد مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية لنا مع العالم وخدمة لأي مصالح..
في المرحلة الماضية, كان خيار الدول الاشتراكية والاتحاد السوفياتي تحديدا , خيارا سياسيا حكوميا.. ولسنا في صدد تقييم هذه التجربة الآن.. لكن نقول:
لم تعد علاقاتنا مع روسيا )وريثة الاتحاد السوفياتي) بذاك المستوى.. أعني لم تعد الشريك التجاري الأول لنا.. وطبعا لذلك أسبابه السياسية أيضا.. لكن.. هل السياسة وحدها التي أثرت في المسألة.. وهل الشركاء التجاريين الأول لنا اليوم )بعض دول الاتحاد الأوروبي) يصرون على علاقات صداقة وتعاون سياسي معنا..?!
لن أنسى في إطار ذلك حاجتنا لهم لظروف موضوعية لكنني لست مع التعويل أكثر مما يجب على هذه الشراكات وأرى: أن العلاقات الاقتصادية الجيدة يجب أن تؤسس لعلاقات سياسية أيضا جيدة.. وإلا.. لماذا ..?!
وأعود إلى السؤال:
من الذي يحدد مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية لنا بدول العالم..: يمكن أن نضع الاحتمالات التالية:
1¯ الظروف الموضوعية.. أي الحاجة للدول المتطورة ذات التقنيات العالية.
2¯ مواقف التفاهم والتعاون السياسي والصداقة.
3¯ المصلحة..
تحدثت عن الظروف الموضوعية.. وسأربط الاحتمالين الثاني والثالث ببعضهما. لأن المصلحة تجمع بين مصلحة الدول وهو ما وصفناه بالتعاون السياسي والصداقة.. ومصلحة الأفراد.. وبالتالي:
إن عجزت حالة التفاهم والتعاون السياسي عن إيجاد الشراكة المتميزة الاقتصادية والتجارية, فلا بد أن ثمة مصلحة تمثلت هي غير مصلحة الذين أسسوا للتفاهم والتعاون السياسي!!
مصلحة من ?!
إذا كانت المصلحة الموضوعية للأفراد فلا غبار عليها.. لأنها في النهاية هي مصلحة البلد.. أعني أن المصلحة الوطنية هي مصلحة الجهات العامة والخاصة معا..
إلا أن تدخل الفساد.. إذ به يفسد كل شيء وتعجز التفاهمات والصداقات والموضوعيات عن العلاقات على أسس صحيحة..
ولا بد أننا تعرضنا في هذا البلد لدور الفساد في ذلك كله ولبنان شاهدنا.