أعلم أن المال يحل بعض مشكلات الحياة, ولايحل البعض الآخر, لكنني لااعرف مشكلة أخرى نشأت عن توافر المال غير مشكلتي مع زوجي.
فبعد زواجنا بقليل, بدأت ألاحظ نوعاً من النهم الذي استولى على زوجي تجاه متع الحياة الصغيرة منها والكبيرة, وما لبث ذلك أن تحول إلى تبذير وتبديد للمال, بما يشبه الرعونة, حتى بدأ يأخذ شكلاً مرضياً, هو الوجه الآخر لمرض الحرص الذي يصيب أولئك الذين يعيشون طفولة بائسة يظل شبحها يلاحقهم حتى نهاية أعمارهم..
وبدا لي زوجي يخوض معركة وهمية ضد ماضيه البائس, يخوضها بالمال, نفس السلاح الذي اعتقد أنه كان ينقصه عندما كان طالباً فقيراً في المدينة القاسية, وبدأت أنبهه إلى خطأ الطريق الذي يسير فيه ولكنني كلما قلت له: إنه يحارب عدواً لم يعد له وجود وهو الفقر, رد بالقول إن أحداً لايعيش مرتين.
زوجي مستمر في التبذير, وأنا أنبهه ثم أصمت أمام إصراره على أن كل ما يفعله من أجلنا, وهو قول فيه شيء من الحقيقة, أصمت, ولكن ليس صمت القبول بكل تأكيد..
ˆ رويدة
***
لن نعيش مرتين..!!
عندما قدمت إلى المدينة للدراسة الجامعية, كنت شاباً ريفياً فقيراً.. لكنني كنت جاداً ومجتهداً ممتلئاً بالعزم والتصميم على النجاح, ليس النجاح في الدراسة الجامعية فحسب, فقد كان ذلك أمراً يسيراً عليّ.. بل النجاح في التغلب على عقدة المدينة.. التي سحرتني بإمكانياتها وأضوائها, وترامي أطرافها, والفرص العديدة التي توفرها للطموحين, لكنها في الوقت نفسه أخافتني بقسوتها واستعصائها على الفهم والاستيعاب, لذا فقد كنت أحس تجاه المدينة إلى جانب الاعجاب بها, نوعاً من الكراهية الناشئة عن خوفي من ألا أستطيع الاستفادة من إمكانياتها الكبيرة, وأعجز عن استثمار الفرص العديدة التي كثيراً ما رأيتها تتوفر للكثيرين حولي دون قاعدة أو قانون.
كانت الأضواء تسحرني وتخيفني في الوقت نفسه, وكان اتساع المدينة يأسرني بقدرته على إخفاء كل شيء حتى الجريمة, ويخيفني في الوقت نفسه بقدرته على ابتلاع كل شيء حتى الإنسان..
وأعلنت أن المال وحده هو الذي يمكنني من الانتصار على قسوة المدينة وإبطال سحرها الطاغي, ووضعت المال نصب عيني, وسخرت له كل مواهبي, وأتاحت لي المدينة فرصة للحصول على المال الذي وضعته بين يدي عائلتي, وصرت أدللهم وأجلب لهم كل ما يطلبونه وحتى ما أراه أنا مناسباً دون حساب أبداً.. فلماذا تعترض زوجتي وتتهمني بالتبذير..?!.
ˆ لؤي