|
بعد دمج الأحواض المائية بهيئة الموارد... الأداء يتراجع.. والحلول نائمة مراسلون إجراء الدراسات اللازمة وإبداء الرأي في عملية الدمج, فكان لكافة المديريات تقريباً رأي واحد يتلخص بعدم ضرورة هذه الخطوة وهي تمثل تكريساً للمركزية الإدارية وبالتالي سوف تكون عائقاً أمام تطور عملية التنمية المائية وتوسيع أداء الأحواض المائية وكافة الموارد المائية الأخرى وإدارتها, وقد يكون هذا الأمر مجدياً في مجال الدراسات فقط ووضع الخطط المركزية, ورغم ذلك استمرت وزارة الري بما عزمت عليه فشكلت اللجان اللازمة لوضع الأسس اللازمة لإحداث الهيئة العامة للموارد المائية والتي صدر مرسوم إحداثها في العام الماضي 2005 برقم 90 رغم كل الاعتراضات والملاحظات التي كان يتوجب الوقوف عندها وقراءتها بتمعن من قبل خبراء ومعنيين عاشوا التجربة الأولى منذ إحداثها ألا وهي مديريات الأحواض المائية. اليوم وبعد مرور عام على هذه الأحداث وإلغاء المديريات العامة وإحداث مديريات بديلة عنها وهي عبارة عن فروع للهيئة العامة للموارد المائية بالمحافظات, ماذا جرى? وكيف أصبحت حال هذه المديريات الكبيرة التي تحولت إلى فروع بكل ما تحتوي من إمكانات وكوادر بشرية فنية وإدارية ومعدات وآليات وقدرة على اتخاذ القرار بشكل مباشر وعلى ضوء الواقع المعاش ووضع الخطط وتنفيذها ومتابعة التنفيذ?. سبع مديريات للأحواض المائية كانت تتولى مهام الري بمجمل تشعباته من سدود وشبكات ومحطات ضخ وتوزيع للمياه والمقاربة بين المخازين المائية والتوزيع بين السدود والتحويل وغيرها من مهام كانت تنطلق من أرض الواقع مباشرة وبالاحتكاك المباشر مع الأرض والمواطن المستفيد من هذه الأرض ومشاريع المياه, بينما أصبح اليوم لدينا 13 مديرية فرعية تتبع الهيئة العامة للموارد المائية والتي مركزها مدينة دمشق. ونلقي الضوء اليوم على مديرية الموارد المائية في محافظة درعا والتي كانت بالأمس تسمى المديرية العامة للري في معرض اليرموك وتشمل ثلاث محافظات هي درعا والسويداء والقنيطرة ويتبع لها أكثر من 40 سداً وعشرات المشاريع الأخرى وموازنتها تزيد عن ال 1.5 مليار ليرة, هي اليوم فرع يتبع الهيئة العامة للموارد المائية تشرف على السدود المحافظة وعددها 17 سداً وموازنتها لا تزيد عن 350 مليون ليرة معظمها لا يزال مجمداً رغم أننا أصبحنا في الربع الأخير من العام ويفترض أن تكون الموازنة قد صرفت أو تكاد. إنها حالة غير عادية وغير طبيعية شهدتها السدود في محافظة درعا أدت إلى تراجع أدائها إلى مستويات متدنية وبالتالي تراجع خدماتها المفترضة التي أدت بدورها إلى التأثير السلبي على الموسم الزراعي وتراجع حجم الإنتاج الزراعي وحصر الأراضي المروية وكميات المياه الموزعة إلى حدودها الدنيا. وللدلالة على حالة الترهل التي وصلت إليها مديرية الموارد المائية بعد الإجراءات الإدارية المعقدة التي طرأت على وضع المديرية واتبعتها للهيئة العامة للموارد المائية لابد من ذكر بعض الأمثلة على المشاريع المتوقفة منذ زمن طويل, حيث تم التعاقد مع جامعة دمشق لإعادة تقييم سد الشهيد باسل الأسد بموجب العقد رقم 60 لعام 2004 وقدمت الدراسة اللازمة لذلك بتاريخ 19/5/2005 إلى وزارة الري, حيث بقيت الدراسة في أدراج الوزارة بحجة التدقيق حتى تاريخ 29/12/2005 أي سبعة أشهر كاملة وعشرة أيام, وفي هذه الأثناء كان مرسوم إحداث الهيئة العامة قد صدر ومراحل التطبيق قد انتهت والانتظار قائم حتى مطلع العام حيث تدق ساعة الصفر وتباشر الهيئة عملها بشكل رسمي وكلي وتلغى المديريات العامة للأحواض المائية وتم تجهيز الإضبارة الفنية لمشروع الصيانة وأرسلت للهيئة بتاريخ 9/5/2006 للموافقة على الإعلان, إلا أن التوجيهات الوزارية كانت تعول للتعاقد مع القطاع العام وبعد فض العروض بشكل كامل وهناك مؤسسات حكومية تقدمت لهذه العروض, جاء التوجيه بالتعاقد المباشر مع الشركة العامة المائية - فرع السدود بطرطوس لتنفيذ المشروع وتقوم الشركة حالياً بدراسة الإضبارة لتقوم بعد ذلك بتقديم أسعارها لإجراء التعاقد وهذا الأمر قد لا ينتهي خلال أيام مما يؤكد تأجيل العمل بالمشروع إلى ما بعد موسم الشتاء الحالي الذي يدق الأبواب وبالتالي لا يمكن إجراء الصيانات داخل أجسام السدود. مثال آخر: تم التعاقد مع شركة (هيروسكوب الأرمينية) بموجب العقد رقم 26 لعام 2003 والعقد رقم 46 لعام ,2004 لإعادة تقييم سدي غدير البستان وعدوان, وتم تقديم الدراسة بتاريخ 1/4/2004 لوزارة الري, وبقيت الإضبارة في أدراج الوزارة لمدة عامين كاملين بقصد التدقيق حيث أفرجت الوزارة عن إضبارة المشروعين بتاريخ 16/3/,2006 حيث تم بعد ذلك تجهيز الإضبارة الفنية لمشروع الصيانة وأرسلت للهيئة العامة للموارد المائية بتاريخ 26/4/2006 للموافقة على الإعلان, إلا أن التوجيهات جاءت سريعاً بضرورة التعاقد مع القطاع العام حصراً وتحديداً مع الشركة العامة للمشاريع المائية وحصراً فرع السدود بطرطوس لتنفيذ هذا المشروع أيضاً, علماً أن مؤسسات حكومية تقدمت بعروضها لتنفيذ هذا المشروع ومنها مؤسسة الإسكان العسكرية ومؤسسة الإنشاءات العسكرية وثم فض العروض في الهيئة العامة للموارد المائية, ومع ذلك جاءت التوجيهات الوزارية لتلغي كل الإجراءات السابقة وتلزم الهيئة بالتعاقد المباشر بخلاف كل القوانين والأنظمة النافذة. وتقوم الشركة حالياً بدراسة الإضبارة بعد أن اطلعت على واقع السدود وبانتظار اقتراحاتها ووضع الأسعار التي تناسبها ما زالت المشاريع تنتظر التنفيذ والسدود بحاجة ماسة للإصلاحات والصيانات قبل الموسم الشتوي, ونعتقد أيضاً أن العمل لن يتم قبل حلول الموسم مما سيضطر الجميع للانتظار حتى الموسم القادم, وبالتالي ضياع كميات هائلة من المياه التي يمكن تخزينها وبالتالي استثمارها في الري وسقاية المزروعات وبالتالي تقليص الخطة الإنتاجية الزراعية وتقليص الأراضي المروية وعدد السقايات الممكنة, كل ذلك في سبيل دعم جهة عامة تعاني من عدم القدرة على الوقوف من جديد ومقارعة السوق المحلية المفتوحة للجميع والحصول على عقود تعيد لها توازنها, ما أدى إلى كل هذا التعاطف على حساب المشاريع والسرعة والإمكانية والأسعار والتأخير حتى لو كان بهذا الحجم وهذه الأهمية. ذات الوضع ينطبق على سد تسيل وسد درعا الشرقي, حيث تم التعاقد مع الشركة العامة للمشاريع المائية لتقييم سد تسيل بعد أن بقيت الإضبارة لهذا المشروع منذ العام 2003 لدى الوزارة معلقة حتى هذا العام, وأيضاً سد درعا الشرقي أجريت له عدة إعلانات للتعاقد وكانت ترفض في الوزارة التي تعيد العقود دون تصديق. وفي أدراج الوزارة حالياً إضبارة فنية جاهزة لصيانة سد عتمان موجودة منذ مطلع العام 2005 وما زالت قيد التدقيق في وزارة الري, أيضاً هناك إضبارة فنية جاهزة لصيانة سد الغارية الشرقية منذ مطلع العام 2005 أرسلت للوزارة للتدقيق وما زالت في طور التدقيق منذ عامين, وبالتالي نجد أن الوزارة تقف عائقاً وسداً منيعاً أمام إجراءات الصيانة اللازمة للسدود, على اعتبار أن المشاريع مدروسة وجاهزة على الأقل منذ عام ونصف ومع ذلك ما زال الوضع على حاله ولم يتم التعاقد مع أي جهة لإجراء هذه الصيانات, علماً أن الخطة تقضي سنوياً بوضع السدود ضمن خطة الصيانات الدورية وهناك صيانات طارئة تفرضها ضرورة الموسم الشتوي وبالتالي نجد أن العمل شبه معطل بل مشلول في مديرية الموارد المائية بدرعا بانتظار جواب الوزارة ومن ثم الهيئة. طبعاً هذا الواقع ينعكس بشكل سلبي على الأداء والمبادرة والقدرة على التصرف, فهناك مجموعة مشكلات الآن لا تلجأ الإدارة إلى حلها وهي تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم, فبالإضافة لوضع السدود المزري الذي أوردناه, هناك مشكلة كبرى تعيشها سدود أخرى وهي مشكلة التلوث بمياه الصرف الصحي التي تصب فيها ومنها ما خرج من الخدمة بشكل كامل لارتفاع نسبة التلوث إلى حدود الخطر مثل سد ابطع الكبير الذي تصب فيه مجاري مدينة ازرع والشيخ مسكين وهناك سدا غربي طفس وعدوان ملوثة بسبب المجاري الواردة إليه من مدينة طفس وداعل وهناك محطة ضخ الطبريات والتي أنجزت منذ العام 2004 ولم تستثمر حتى الآن بسبب تلوث المياه الواردة إلى هذه المحطة. طبعاً هذا الحال يرافقه حال آخر وهو خروج عدد كبير من الآبار من الخدمة أيضاً ولهذا قصة كبيرة نعرض مقتطفات منها, فمنذ عدة سنوات أصدرت الحكومة تعليمات لتسوية وضع الآبار المخالفة ومنحها تراخيص مؤقتة وإدراجها ضمن الخطة الزراعية وعدد هذه الآبار وصل إلى 1300 بئر على أن تجدد رخص الاستثمار كل ثلاث سنوات وقد انتهت السنوات الثلاث وعدد كبير من هذه الآبار حالياً متوقف عن العمل بسبب عدم الموافقة على تجديد رخص الاستثمار الممنوحة للمالكين بحجة عدم وجود متجدد مائي يرفد هذه الآبار, وطبعاً هذا المتجدد المائي يحتاج إلى دراسة معمقة, وليس لحواشٍ توضع من خلف الطاولات, وهكذا أخرجنا أيضاً مساحات زراعية واسعة من الاستثمار. كل ذلك يدلل على عدم وجود آلية عمل واضحة تضبط المسألة بشكل جيد كما يدلك على أن ما اتخذته الحكومة من خطوات باتجاه تعميق المركزية في عمل قطاع الري يحتاج لمراجعة لأن مؤشر الأداء يتجه نحو الخلف على عكس ما هدفت إليه الحكومة بعد الإجراءات التي اتخذتها بحق هذا القطاع..!
|