استثمار بعض الأوراق السياسية الخارجية في محاولة لإعادة بعض الثقة والحيوية لفريقه الرئاسي ودفع سياساته الخارجية إلى مسارات التعديل أو التوفيق منطلقاً من ضرورات الحوار مع الآخرين والاعتراف بنفوذهم وتأثيرهم الاقليمي والعالمي.
طبعاً هذه السياسة والأصح الالتفاف إلى أماكن الضعف والقوة وكشف الطريق الوعر من السالك يحتاج إلى تقديم المقابل من المواقف والسلوكيات والإجراءات إرضاءً للأطراف التي يرى بوش ومستشاريه أنه بأمس الحاجة لها, سواء في الشرق الأوسط أو آسيا أو روسيا وبلدان الاتحاد السوفييتي السابق وغيرها من مناطق العالم الذي فشل بوش وفريق صقوره من تطويعه حسب مشيئتهم.
وهكذا تحولت التوجهات السياسية الأميركية من خيار عزل الآخر وتغيير سلوكه إلى خيار البحث عن قنوات فك العزلة عن الامبراطورية وتجسير الهوة فيها بين مناطق عديدة من العالم رسمياً وشعبياً, وتحول الحديث عن تغيير سلوك الأنظمة والقوى المصنفة أميركياً وصهيونياً بالمارقة أو الشريرة إلى تغيير في سلوك الإدارة الأميركية الحالية والعودة إلى بعض الصواب وجزء الحقيقة المغيبة بالمصالح الكبرى لشركات بوش وجماعته.
ومن أمثلة التغيير الحاصل في السلوك والبحث عن قنوات التواصل والمساعدة, الالتفاف إلى روسيا والاعتراف بأهميتها ودورها الحاضر والمستقبلي, حيث بات الحديث عن اختراقها من الداخل وكسر هيبتها ودفعها بعيداً عن مصادر الطاقة العالمية ومناطق النفوذ الاستراتيجي وعرقلة توجهاتها الاقتصادية ومساعيها للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وتضييق خناق الدول المستقلة من حولها وشغلها بثورات وردية ومخملية وملونة, واختلاق مشكلات الغاز وأنابيب نقل النفط والغاز الروسي عبر أراضي جمهوريات كانت سابقاً في دائرة التبعية السياسية لها قل ذلك لم ولن يجلب النجاح للمشروع الأميركي الهادف إلى إضعاف النفوذ الروسي أو على الأقل منعها من التحكم بالطاقة لأوروبا مؤقتاً, وإلى دول آسيوية وأفريقية مستقبلاً وخصوصاً (الصين والهند) وشمال أفريقيا.
وعلى هذا الأساس كانت فكرة التواصل الأميركي الروسي وانطلاقاً من قاعدة الاعتراف بالمصالح والإدارة والاستفادة من العلاقات الشخصية التي يدعي بوش أنها ممتازة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين, فكان لقاء القمة بينهما في موسكو 15 تشرين الثاني الجاري واللقاءالموسع الآخر المزمع في هانوي على هامش انعقاد قمة دول آسيان.
أما العروض المقدمة لروسيا فهي:- مساعدة الولايات المتحدة روسيا للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
-الكف عن دعم الثورات المناهضة في دول الاتحاد السوفييتي السابق والاعتراف بالنفوذ الروسي فيها, وإثبات المصداقية في ذلك بعدم التدخل في المسألة الجورجية ودعم الرئيس الجورجي ساكاشفيلي كذلك والاكراني يوتشكو وتمرير الموافقة على استمرار حكومة الموالي لروسيا يونكوفيتش والتمهيد للوصول للسلطة من جديد.
- الكف عن مضايقة النظام في روسيا البيضاء من قبل أميركا وحلفائها والاعتراف بتوجهاته نحو روسيا وعدم التدخل في شؤون تزويد بلاده بالطاقة الروسية.
- التوقف عن دعم المعارضة الروسية وإثارة المشكلات الداخلية تحت مسميات النظام الديمقراطي والانفتاح وبرامج الإصلاح وغيرها باستخدام منظمات إنسانية وجمعيات أهلية وتمويل من صناديق غربية وأميركية.
- الإقرار بدور روسي وقدرة فاعلة في الشرق الأوسط خصوصاً مع إيران وسورية واستخدام النفوذ والمصالح الروسية للحد من معارضة تلك القوى للمشروع الأميركي وهو يحتضر في المنطقة.
كل ذلك يقابله تعهد روسي بالانضمام إلى التحالف الدولي المزمع بلورته من جديد ضد إيران والالتزام بأمن إسرائيل وحمايتها والدفاع عنها وعقد التسويات المناسبة لشروطها وإضافة إلى تعهد روسيا بعدم تزويد طهران والدول العربية بالتكنولوجيا النووية والسلاح الحديث وسحب اعترافها بشرعية المقاومة الفلسطينية واللبنانية إضافة إلى تعهد موسكو بعدم استخدام سلاح الطاقة في مواجهة المشروع الأميركي والكف عن مضايقة المصالح الأميركية في مناطق الطاقة الاستراتيجية سواء بحر قزوين أو إيران أو أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وغيرها كما تحتاج الإدارة الأميركية من موسكو دوراً فاعلاً وتأثيراً واضحاً في الملف النووي الكوري,وحفظ ماء الوجه للإدارة الأميركية بعد التحدي الصارخ من قبل كوريا للتحذيرات الأميركية وهل ما يمكن أن تفعله روسيا إقناع بيونغ يانغ بالعودة إلى المفاوضات وصولاً إلى تعهد بالحد من التسلح النووي.
وفي ظل هذا المناخ يريد الرئيس الأميركي بوش تعاوناً روسياً واضحاً للوصول إلى نهاية سعيدة لحكم بوش خلال السنتين المتبقيتين وعدم قلب الطاولة على رأسه بعد أن قلبها الديمقراطيون على رؤوس الجمهوريين.
بعض الخبراء الاستراتيجيين في روسيا يعتبرون أن فكرة المقايضة مع روسيا قديمة ولن يكتب لها النجاح والامبراطور الروسي المتوثب والمتربص منذ زمن لا رادع له ولا يجد حرجاً في استمرار النزف الأميركي ولن يعترض يوماً على تقطيع الشاة المذبوحة.