فالرئيس بوش تعرض لانتكاسة قاسية داخلياً بفوز الديمقراطيين وما تلاها من تداعيات سلبية في أوساط القرار الأميركي نتيجة لهذا الفوز على حساب الجمهوريين. أما على الصعيد الخارجي فالمستنقع العراقي والخسائر التي تتكبدها القوات الأميركية في العراق أشد سوءاً عليه وأكثر ارباكاً له. وهذا ما يجعلنا نحكم عليه أي على الرئيس بوش بوضعيه الداخلي والخارجي بأنه يعيش في مأزق ليس من السهولة الخروج منه. أما حال ايهود أولمرت فهو ليس بأحسن من حال الرئيس بوش. فالزلزال الذي أصاب (اسرائيل) على خلفية هزيمتها أمام حزب الله رغم كل الدعم الأميركي العسكري والتقني لها لم ينته بعد سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي الذي فقدت (اسرائيل) من خلاله هيبتها والهالة التي كانت تحيط بها نفسها, لإرهاب الغير على أنها الاسطورة التي لا تقهر والقوة التي لا تهزم. وعلى هذا نستطيع القول بأن لقاء بوش أولمرت كان لقاء الخاسرين والمهزومين. وعلى هذه القاعدة ماذا يمكننا أن نستنتج من هكذا لقاء سوى المزيد من الهزائم في وقت تعرت فيه أهدافهما وخططهما ما جعل أول الخارجين عنهما هو الداخل الأميركي والاسرائيلي على حد سواء, لكن رغم ذلك (فاسرائيل) لن تخسر من الإدارة الأميركية- رغم سلبية هذه الصورة المشتركة لهما الدعم التقليدي لها سواء من الجمهوريين أم الديمقراطيين. إلا أن الصفعات التي تتلقاها السياسة الأميركية ولا سيما في (الشرق الأوسط) ستؤثر حتماً على وضع (اسرائيل) الاستراتيجي وبالتالي تقزيم حجمها ودورها عما كانت عليه من قبل وهذا ما حاول جاهداً أولمرت الغوص فيه مع الرئيس بوش وأركان الإدارة الأميركية وكذلك مع العديد من الديمقراطيين الذين فازوا في انتخابات الكونغرس النصفية والموالين للوبي الصهيوني في الوسط الأميركي.
أما المسألة الأهم التي كانت على جدول أعمال بوش أولمرت فهي العراق حيث سارع أولمرت كما كشفت عن ذلك صحيفة هاآرتس الاسرائيلية إلى تحذير الإدارة الأميركية من أي خطوة تقدم عليها في تسريع انسحاب القوات الأميركية من العراق لأن من شأن ذلك كما تقول هاآرتس يؤدي إلى تفكيك العراق وخلق فوضى عارمة فيه وهو ما سيقود إلى تصدير الإرهاب لكل أرجاء الشرق الأوسط. وبالتالي على حد قول الصحيفة الاسرائيلية هو تهديد (لاسرائىل) وللأنظمة العربية المعتدلة.
أما الملف الأخطر الذي حظي بالأهمية في قمة بوش أولمرت فهو ملف ايران النووي وهو ما يقلق (اسرائيل) كثيراً في حال تراجع الرئىس بوش عن مخططاته ضد حق ايران في امتلاكها القدرات النووية السلمية, وقد جند أولمرت جميع إمكانياته باتجاه عدم السماح للصراعات الدائرة بين القوى السياسية (الإدارة الأميركية والكونغرس) بأن تلقي بثقلها على تراجع الاهتمام بالملف النووي الإيراني وسرعة حسمه ولو بالخيار العسكري. إذ إن صحيفة هاآرتس الإسرائيلية وصفت خطورة امتلاك ايران للقدرات النووية بمثابة تهديد وجودي (لاسرائيل) وهذا ما يؤدي حسب رأي الصحيفة إلى وقوع المنطقة بكاملها تحت تأثير النظام الاسلامي في طهران.
كذلك الملف الفلسطيني كان حاضراً على جدول لقاءات أولمرت مع أركان الإدارة الأميركية, ورأت هاآرتس الاسرائيلية أن الرئىس بوش بإمكانه أن يعتمد على تأييد الكونغرس الديمقراطي وعلى اسناد من الدول العربية المعتدلة من أجل الوفاء بوعده بإقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته, وبحسب الصحيفة الاسرائىلية فإن لدى بوش فرصة لأن يبدي مبادرة ودوراً أكبر ويطرح عدة مطالب على الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني وتؤكد هاآرتس الاسرائيلية بأنه حان الوقت لأن تبذل الإدارة الأميركية جهداً آخر في النزاع بين الفلسطينيين والاسرائىليين, كما أن على الإدارة الأميركية أن تفكر مرة أخرى بالوساطة بين سورية و(اسرائيل).
لكن معظم المحللين الاسرائيليين يجمعون في تحليلاتهم على أن الرئيس بوش أظهر من خلال لقاءاته مع أولمرت على أنه مضطر لاتباع سياسة ثنائية الحزب القائمة على أساس التفاهم مع الديمقراطيين حيال قضايا (الشرق الأوسط) والخروج من سياسة اللامبالاة ويرى في هذا الاتجاه المحلل الاسرائيلي (اليكس فيشمان) في صحيفة يديعوت احرونوت (أن نهج الرئىس بوش القادم يتطلب بالطبع تهدئة الأمور في المنطقة وتليين الموقف مع السوريين وكذلك مع حماس. ويبرر فيشمان ذلك بقوله إن على (اسرائيل) أن تضع في حسبانها تخلي الإدارة الأميركية عن عدم اعترافها بحكومة حماس وهو يرجح بأن يكون أولمرت قدسمع هذا الكلام من الرئيس بوش, ويضيف فيشمان بأن الرئيس بوش بوضعه الجديد سيقترب من المواقف الأوروبية.
وهذا ما سيؤثر بالطبع على سياسة أميركا السلبية تجاه تجاهل قيام دولة فلسطينية.
لكن هناك أيضاً العديد من الإسرائيليين يرون أن (اسرائىل) لم تخسر شيئاً من فوز الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي حيث تقول صحيفة يديعوت احرونوت إن القيادة الديمقراطية التي ستحل محل الجمهوريين في الكونغرس ودية (لإسرائيل) بالمقياس نفسه الذي كانت فيه القيادة الجمهورية بسبب وجود أصدقاء اسرائيل في صفوف الأعضاء الديمقراطيين أمثال النائبة (نانسي بلوسي وهنري هايد) على رأس لجنة الخارجية في الكونغرس الجديد وكذلك (توم لانتوس) و(ديفيد أوبي) رئيس لجنة المخصصات المالية وهو المعجب والمقرب من شمعون بيريز. كذلك الحال للجنة الهامة لاسرائيل في الكونغرس وهي لجنة المخصصات لشؤون (الشرق الأوسط) فيتولاها أيضاً صديق (اسرائيل) النائب الديمقراطي (هنري نيتالي) وهو يهودي من منهاتن.
وعلى هذا يرى معظم المحللين الاسرائيليين أن (اسرائيل) تتوقع حسب معطيات نتائج زيارة أولمرت لواشنطن تغييراً في أسلوب واشنطن لافي اسلوب النتائج حيال ملفات المنطقة الساخنة وهي ملفات لا تزال أحادية الهدف والنتيجة للرئيس بوش و(اسرائيل) معاً وهذا ما أكدته مجلة (سلايت) الأميركية بقولها حين اختصرت السياسة الأميركية المقبلة في ضوء فوز الجمهوريين بالكونغرس بكلمة واحدة (اسرائيل).