هذه الصراعات تشكل اليوم جوهر المأزق الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي ويؤثر في مستقبله أكثر مما ترتب على أي مأزق سابق فقد كشفت الحرب الأخيرة على لبنان أوجه ضعف كثيرة بالأداء السياسي والعسكري الإسرائيلي يعود في أهم جوانبه إلى تدهور شديد في منظومة الأفكار التي غرسها مؤسسو الكيان الصهيوني أو من كان يطلق عليهم اسم -الرواد- والتي ارتبطت بإخلاص شديد للعقيدة الصهيونية.
لقد اعتدت إسرائيل على العرب لزمن طويل اعتماداً على هذه الأفكار العنصرية, وإذا كان لهذه الأفكار كل الأهمية للصهاينة فإن التدهور الذي لحق بها وكشفته الحرب الأخيرة على لبنان هو أخطر نتائج هذه الحرب على الإطلاق فهذا التدهور القيمي هو المسؤول الأول عن الأداء الإسرائيلي السياسي الذي انحطّ مستواه إلى حد إعلان الحرب بدون التأكد من الاستعداد لها, والزج بقوات الاحتياط فيها دون تدريب كاف.
وأما الأداء العسكري فقد تدنّى لأسباب من أهمها عدم وجود قيم القتال والإقدام والتضحية واستهانة ضباط كبار لم يعودوا يشكلون مثالاً يحتذى في نظر جنودهم, وتخاذل قادة الألوية الذين جبنوا عن قيادة قواتهم على الأرض في جنوب لبنان وبقوا خلفهم يتابعون تقهقرهم من بلدة إلى أخرى عبر أجهزة بلازم, وليس هذا إلا غيض من فيض الممارسات التي تعود إلى تدهور قيمي في الدرجة الأولى.
هذا التدهور في القيم يطرح السؤال جدياً عن مستقبل إسرائيل لأنه يتزامن مع ميل غير مسبوق في تعطيل قاعدة المساءلة والمحاسبة في لحظة بالغة الدقة والأهمية, ولم تشهد إسرائيل في أي وقت مضى مثل هذا السعي للإفلات من المحاسبة.
فرئيس الحكومة - ايهود أولمرت يهرب من المساءلة أمام لجنة تحقيق مستقلة وينجح في تشكيل لجنة شبه حكومية ستخفي من الحقائق أكثر مما تكشف, أما وزير حربه -عمير بيرتس ورئيس أركانه دان حالوتس فلا يتمتعان بالمسؤولية التي تدفع من في وضعهما إلى الاعتراف بالتقصير رغم أن أولهما صار عنواناً للفشل بينما أصبح الثاني رمزاً للغطرسة المستهترة.
إن أولمرت وبيرتس وحالوتس يريدون النجاة من إدانة لابد أن تلحقهم إذا اخضعوا لمساءلة جادة بشأن اتخاذ الأول قرار الحرب وتولي الثاني والثالث تنفيذه دون أن يتأكدوا من توفر شروط نجاحه, وهم يسعون إلى الإفلات من أسئلة كبرى مثل السؤال عن الانهيار الذي حدث في مستوى استعداد فرق الاحتياط وفي نظام استدعائها, الأمر الذي أدى إلى فشل الاستعانة بها.
أخيراً سيسجل التاريخ أن حرب 2006 لم تكن فقط كاشفة ولكن أيضاً موجبة بتحول في مسار الصراع العربي- الإسرائيلي.
لكن هذا التحول يبقى مشروطاً بأن نبدأ نحن على الصعيد العربي في إصلاح أوضاعنا.