وكما هو ملاحظ لم يقل تشيخوف بال (كاتب الشهير) مقارنة مع (الكاتب الصغير). قال بال (الكاتب الجدي) هذا التعريف هو الذي أراده تشيخوف دليل حضور الكاتب, في مجال إبداعه, بغض النظر عن كبر سنه أو اتساع رقعة شهرته, على الساحة الثقافية, ذلك لأن مصداقية تعامل الكاتب الجدي مع الحدث الذي يجد نفسه أمامه, هي التي تسمح له بصدق التفاعل مع تبعاته ومع تداعياته.
من هنا كان القول بالجدية.
وفي وقتنا الراهن, ونحن نحيا هذه الأحداث الساخنة من حولنا, وعلى مقربة منا, يبدو طبيعيا أن تكون المصداقية وحدها لا مجرد العاطفة, من روافد الحركة الثقافية في منطقتنا. إن العاطفة قد تدير دفة التعامل مع الحدث أو التفاعل معه باتجاه الخاص لا العام, ومن هنا يفقد الحدث أهميته من ناحية (التأريخ) له وكذلك فهمه فهما جيداً بعيدا عن انتمائه الى ذات الكاتب بالحيادية المطلوبة.
وكما هو معروف فإن منطقتنا العربية, ومنها سورية, شهدت العديد من الأحداث الساخنة وربما لأن التعامل معها كان من منطلق جموح العاطفة حيالها, لم تندرج تحت بند (التأريخ), هذا بينما استطاعت آثار أدباء آخرين أن تقوم بعملية توظيفها خدمة للتاريخ.
إن حدث إخضاع المنطقة لنظام الانتداب في وقت من الأوقات, كذلك حدث طرد المستعمرين, كذلك افتتاح عصر الشهادة في سورية, كذلك انتصار المقاومة الشعبية في لبنان على النحو الذي تحقق مؤخرا, كل ذلك يمكن أن يكون مؤشرا لاختبار مصداقية حضور الكاتب على الساحة وحسن قراءته لما يدور حوله وعلى مقربة منه,.
من هنا, يمكن للدارس أن يقيّم نتاج أدبائنا الذين عاشوا ويعيشون اليوم-على سبيل المثال- في أزمنة الانتماء الى قضايا وطنية مفصلية تتعلق بتاريخ المنطقة عموما, بينها محاولات زرع الفتنة بين شعوب المنطقة, ومحاولات إخضاع أبنائها لواقع العولمة وما شابه ذلك.
هذه المحاولات لا تقل شأنا عن استخدام وسائل التدمير المادية التي يستخدمها أعداؤنا كي نبقى في وضعية التلقي لا التعامل مع المخططات التي ترمي, بالدرجة الأولى, الى جعلنا نتفاعل مع تبعاتها بالعاطفة لا بالعقل بغية توظيفها لصالح المواجهة التي تتطلبها مرحلة ما بعد الثاني عشر من تموز الفائت حصرا.
إن حضور (الكاتب الجدي) في هذه المرحلة, لا الكاتب الذي يمتلك جموح العاطفة, بات من مستلزمات الوعي الدقيق والعميق لواقع أمتنا العربية التي تتعرض حاليا للهزات العاطفية, ويراد لهذه الهزات أن تحل محل قراءة أحداث المنطقة بالعقل لا بمجرد العاطفة فقط لأنها تمس أمننا حاضرا أو مستقبلا. وكما نعلم فإن الدعوة الى توظيف الأدب للصالح العام, بمختلف مجالاته, ليست دعوة غريبة عنا, نحن أبناء المنطقة, ولهذا نستطيع قراءتها على لسان تشيخوف قراءة جادة وموضوعية.
Dr-louka@maktoob.com