بدءاً بخارطة الطريق ومروراً بأنابوليس وانتهاء بالدعوة الأخيرة للتفاوض، وما لم تخط إدارة أوباما خطوات عملية وجدية تؤكد مصداقيتها في هذا المجال فسوف نشهد (إذا انخدع العرب مرة أخرى) جولات عقيمة من المفاوضات المشروطة في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بتحضير المشهد لإعلان دولة يهودية منزوعة الفلسطينيين امتثالاً لتعاليم تلمودية توافق أهواء ونزعة قادة تل أبيب العنصريين الذين أثبتوا في مرات كثيرة أنهم يعادون السلام قولاً وفعلاً.
فتسوية الصراع العربي الصهيوني كما يراها العديد من المحللين لا تزال معقدة بحكم التعقيدات التي تفرضها إسرائيل على أرض الواقع، وليس من السهل الاقتناع بأن سنتين قادمتين من المفاوضات العبثية يمكن أن تحدثا خرقاً في هذا المجال، سواء تعاملنا مع بعض التصريحات الملغومة التي تطلقها واشنطن بين الحين والآخر، أم صدقنا بعض النيات التي أبدتها والتي تبدو حسنة في المظهر، والله أعلم ماذا يطبخ في الغرف المغلقة، فقد غاب عن بال هذه الإدارة تحديد الأسس والمرجعيات التي ستبدأ على أساسها عملية التفاوض قبل الشروع بها، ولاسيما مرجعية مؤتمر مدريد عام 1991، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بعملية السلام، وقبل كل ذلك لم نسمع أن الجانب الإسرائيلي قد تعهد بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة إلى خط الرابع من حزيران عام 1967، و كلها أسس صحيحة وموضوعية وقانونية لتبدأ عملية التفاوض، فهل يعقل أن يدخل العرب في مفاوضات جديدة وهم يعلمون مسبقاً أنها لن تضمن لهم عودة حقوقهم الطبيعية والتاريخية في أرضهم المحتلة.
في الشكل وعلى الأرض لا تزال إسرائيل ماضية في تهجير الفلسطينيين عن مدينة القدس على أمل إتمام تهويد المدينة المقدسة تمهيداً لإخراجها من التفاوض نهائياً، بموازاة النمو الاستيطاني على أراضي الضفة، ولايزال الجدار العنصري يلتهم المزيد من الأراضي مقطعاً أوصال القرى والبلدات الفلسطينية عن بعضها البعض وممعناً في إبعاد الفلسطينيين عن مزارعهم، ومؤخراً أقدم الكنيست الإسرائيلي على طريق الهروب إلى الأمام في موضوع الانسحاب من الجولان المحتل، وربط ذلك بإجراء استفتاء باطل، نعرف جميعاً أن نتائجه لن تأتي إلا في مصلحة المستوطنين اليهود المتكالبين على سرقة الأرض وبناء مايمكن بناؤه من المستوطنات غير الشرعية وغير القانونية، في الوقت الذي لا يزال فيه الموقف الأميركي غامضاً يراوح على الدوام في مكانه، من الانحياز لإسرائيل وطروحاتها التخريبية لعملية السلام.
فاستمرار الانحياز الأميركي لإسرائيل يفقد عملية التسوية الراعي والوسيط النزيه الذي تقع على عاتقه ضمانات التوصل إلى حل ومن ثم الالتزام به، فواشنطن تؤمن لإسرائيل على الدوام الحماية والغطاء اللازمين للتهرب من أي استحقاقات قانونية أو إنسانية تجاه انتهاكاتها وجرائمها بحق الفلسطينيين، وهذا ما يجعلها غير مؤهلة لنيل ثقة الطرف العربي.
باختصار يمكن القول إن آفاق السلام والتسوية لا تزال مسدودة ولايمكن فتحها إلا من خلال موقف أميركي جديد يتسم بالموضوعية ويأخذ في الاعتبار الحقوق العربية المشروعة، ويجب هنا أن نسأل أين الدور الأوروبي وكذلك الروسي؟ لأن استمرار تفرد الولايات المتحدة بهذا الملف يجعله يراوح في مكانه دون جدوى.