غير مكترثة بما يشكله هذا الحصار من انتهاك جائر للقانون الدولي يرقى إلى مرتبة جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية لأنه يتخذ طابع العقاب الجماعي من قبل قوة احتلال يرتب عليها القانون الدولي مسؤولية الحفاظ على حياتهم وعدم تعريضهم لخطر الموت والتعذيب والعقوبات الجماعية.
ولأهداف سياسية ليس أقلها وأدُ مقاومة الشعب الفلسطيني التي شكلت غزة معقلها الأساسي, وتصفية قضيته الوطنية بتسوية هزيلة تقوم على إسقاط حقوقه الأساسية في العودة وإقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس, توجت إسرائيل حصارها القاتل للقطاع بحرب دموية مدمرة قبل عام ارتكبت فيها من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ما يندى له جبين الإنسانية ويشكل وصمة عار في تاريخ البشرية.
ما الذي فعله المجتمع الدولي, وخصوصاً منه الدول التي تنصّب من نفسها جهات داعية لحقوق الإنسان وتبدي الغيرة والحرص عليها في أمكنة كثيرة من العالم إلا في فلسطين, تجاه حصار غزة وجرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة فيها على مرأى العالم وسمعه..؟ هل تحرك المجتمع الدولي بما فيه الكفاية لفك الحصار ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن ارتكاباتهم, أم أنه قصر في مسؤوليته الإنسانية والقانونية والأخلاقية فاستمر الحصار وبقي مجرمو الحرب طلقاء دون مساءلة أو حساب..؟.
أمام طول الحصار وتواصله.. وأمام عدم ظهور بوادر تشير إلى أن العدالة الدولية ستأخذ مجراها نحو عقد محكمة دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين استناداً لإدانة إعمالهم في تقرير غولدستون وتقارير أخرى كثيرة وشهادات لمبعوثين دوليين وذوي الضحايا, ثمة ملاحظات أساسية نسجلها على المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة وأميركا والغرب وكل من لم يعمل من دول العالم بما يكفي لرفع الحصار ومقاضاة إسرائيل ومسؤوليها السياسيين والعسكريين عن حربهم وجرائمها المنكرة في غزة:
أولى هذه الملاحظات هي أن الموقف الدولي باستثناء موقف الرأي العام الذي اتخذته المنظمات غير الرسمية وتمثل بتنظيم قوافل كسر الحصار والدعوات لملاحقة إسرائيل على جرائمها, ظل عاجزاً عن اتخاذ التدابير الكافية لإجبار إسرائيل على رفع حصارها, وكل ما فعلته الأمم المتحدة وهي الجهة الأولى المعنية بالعمل على رفع الحصار بحكم صلاحياتها المنصوص عنها في ميثاق الأمم المتحدة والشرعة الدولية لحقوق الإنسان, هو انتقاد الحصار واعتباره عملاً مخالفاً للقانون الدولي ودعوة إسرائيل إلى إنهائه من تلقاء نفسها, وعلى نحو قول المنظمة الدولية مؤخراً على لسان أحد مسؤوليها بأن حصار إسرائيل لغزة يهدد صحة 1.5 مليون فلسطيني نصفهم أطفال..؟.
الملاحظة الثانية هي أن المجتمع الدولي قصر في تطبيق القانون الدولي على سياسة الحصار ومسائلة المسؤولين الإسرائيليين عن جرائم حربهم على غزة, فلم يطلب مثلاً تطبيق مواد البند السابع على إسرائيل, ولم يتحرك نحو تشكيل المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الجناة الإسرائيليين, بالرغم من أن فرض الحصار يشكل حالة من حالات تهديد السلم والأمن الدوليين التي تستوجب مواجهتها بتطبيق البند السابع للميثاق الدولي على إسرائيل بصفتها المسؤولة عن نشوء هذه الحالة, وبالرغم من أن جرائم الحرب الإسرائيلية على غزة تستوجب بدورها دعوة المحكمة الجنائية الدولية للنظر في هذه الجرائم ومقاضاة المسؤولين عنها.
الملاحظة الثالثة هي أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتحملان الجزء الأكبر من المسؤولية الدولية عن التقصير في مواجهة حالتي الحصار وجرائم الحرب, فأميركا مسؤولة بحكم تشجيعها لإسرائيل على الحصار ومساعدتها في إجراءات إحكامه من خلال الاتفاق الأمني الذي أبرمته ليفني مع غونداليزا رايس ويتم العمل به على طول الحدود والشواطئ والمنافذ مع غزة لمنع إمدادات الغذاء والدواء إليها, وكذلك من خلال اعتراضها على تقرير غولدستون بذريعة أن هناك عملية سلام أهم منه, فيما المسؤولية الأوروبية تكمن في الصمت على الحصار والجرائم معاً وعدم تحريك ساكن ضدهما والاكتفاء بمواقف خجولة حول ضرورة إيصال المساعدات لغزة وتوجيه بعض الانتقادات للحرب ونتائجها, وتحميل حماس وفصائل المقاومة جزءاً من أسباب الحرب في محاولة لتبرير إقدام إسرائيل عليها.
ما الذي جعل الموقف الدولي على هذه الدرجة من التحلل والضعف وبما يوحي بأن الأمم المتحدة عاجزة ومشلولة عن التصدي لمسؤولياتها الدولية, وأن إسرائيل تبدو وكأنها فوق القانون الدولي, وأن أمريكا والغرب غير معنيتين بالقانون الدولي والتزاماته الإنسانية والأخلاقية..؟.
المواقف المختلفة للأمم المتحدة والغرب وأميركا تؤكد بأن لكل من هذه الأطراف مسؤوليته في جعل الحصار يستمر وفي ترك مجرمي الحرب الإسرائيليين بعيدين عن المساءلة حتى الآن, لكن هذه الحقيقة لا تعفي العرب من مسؤوليتهم أيضاً عن مكابرة إسرائيل في التمسك بالحصار وعن عدم تفعيل النداءات الدولية لمنظمات حقوق الإنسان لتطبيق العدالة الدولية بشأن الجرائم الإسرائيلية.
والعرب مسؤولون لعدم إبداء الجدية الكافية في مواجهة الحصار, والتي كان يجب أن تتجلى في ربط السلام وجهوده بفك الحصار وقطع أي علاقة لبلد عربي بإسرائيل, وكذلك لعدم إبداء الاهتمام الكافي بمتابعة قضية جرائم الحرب على غزة.
إن التواطؤ الدولي في الحصار على غزة والصمت الدولي عن جرائم إسرائيل الموصوفة بحق الشعب الفلسطيني مضافاً إليهما قصور الموقف العربي عن مواجهة الحصار ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته القانونية والأخلاقية تجاه الجرائم المرتكبة في غزة, كل ذلك هو ما يجعل الحق العربي مستباحاً ويجعل إسرائيل تطمئن لغياب العدالة الدولية ويجعل قادتها وعلى رأسهم نتنياهو وباراك يتمادون في تشديد الحصار ويديرون ظهرهم لجهود السلام ويتجاسرون في توعد لبنان وغزة بحروب أشد ضراوة وهمجية.