عالق في برجه العاجي من غير أن يدرك الواقع الذي نعيش فيه. واسوأ من ذلك أن الرأي الذي سأعبر عنه يعبر عن مشكلات نفسية شديدة للكاتب واعوجاج شديد لترتيب الأوليات عنده. ها نحن أولاء قد قلنا ذلك والآن يمكن المتابعة.
في يوم الأربعاء الماضي حكم القاضي اسحاق شمعوني – نير بتسعة أشهر سجن بالفعل وبغرامة مالية قدرها 7500 شيكل على الشيخ رائد صلاح، زعيم الفرع الشمالي من الحركة الإسلامية. ولماذا بالضبط حكم على صلاح بهذه العقوبات الشديدة؟ لأنه بصق في أثناء مظاهرة مضادة للبناء في باب المغاربة في وجه شرطي من حرس الحدود.
ذكر القاضي المصدوم أن هدف صلاح لم يكن المس بالشرطي فقط بل بما يمثله أيضا أي بالقانون وبدولة إسرائيل نفسها. وكتب أن صلاحاً ضحك في أثناء شهادة الشرطي وعبر بذلك عن احتقاره له. «لا تمس أعمال المتهم بكرامة الشرطي وحده بل تعبر عن احتقار لابسي البزة العسكرية الذين يمثلون القانون في دولة إسرائيل وبأركان السلطة نفسها» .
كلفت هذه الضحكة الشيخ ثمناً باهظاً. في دولة إسرائيل التي يبصق فيها الحريديون كل سبت ويرمون بالحجارة ويسبون الدولة وممثليها بقولهم (نازيون، وأيخمن وغستابو)، والتي يستعمل فيها المستوطنون كل يوم العنف على قوات الأمن – بلا عقوبة وبلا رد ومع ضبط لا نهاية له للنفس – حكم القاضي شمعون – نير على صلاح بعقوبة تفرض على نحو عام عن مخالفات قانونية أشد، عن سطو وسرقة وأعمال معيبة وخداع وعنف في العائلة. نقلت الرسالة آخر الأمر وهي أنه يجب عدم احتقار لابسي البزات العسكرية الذين يمثلون القانون في دولة إسرائيل وأركان السلطة. مع ذلك من المهم أن نذكر أيضا الى من نقلت الرسالة. لقد نقلت الى جماعة ما طلب إليها ان تمحو البسمة عن شفاهها – الى العرب في إسرائيل. يستطيع الآخرون بطبيعة الأمر الاستمرار على السب والشتم والبصق ورمي الحجارة كالعادة.
يسهل أن نبغض الشيخ رائداً. فهو يرانا غرسة غريبة في المنطقة ويتمنى اختفاءنا. ولا يتردد عن التعبير عن رأيه. وهو أيضا سياسي يصرح تصريحات غوغائية من غير ان يسأل نفسه من سيدفع ثمنها. لا يعجبني هذا الرجل. إن مشكلة الديمقراطية هي أن قوانينها ترمي للدفاع عن أناس لا يعجبوننا، فهناك بالضبط يجري امتحانها. «انا أبغض كل كلمة تقولها»، أعلن الفيلسوف الفرنسي فولتير، «لكنني مستعد لسفك دمي كي أمكنك من قول كلامك» .
لا تمتحن سلطة القانون بالاستعداد لتأييد القديسين وملائكة السماء، بل أناس بغيضون تثير فينا أقوالهم وأفعالهم الاشمئزاز. أجل هم أيضا يستحقون الدفاع عنهم، ويستحقون أيضا الاستمتاع بالشك. هذا غريب، لكنهم أيضا يستحقون المساواة. للقادة السياسيين الحق في قول كلامهم والتعبير عن الاحتجاج، حتى بطرق شاذة للتيقن من أن المرفوض لا يسكت. إن من يقود جماعة مبعدة مظلومة على نحو خاص، لا يمكن ان يكون الأول (والوحيد) الذي تنقل على ظهره رسائل سلطة القانون.
ليس الشيخ رائد كأس شاي. وليست الديمقراطية شاياً مرشداً في مقهى أرستقراطي. إنها سوق ذات ضجيج، عمل الحراس فيها الدفاع عن اولئك الذين لا تحبهم الأكثرية.
فشلنا في هذا الامتحان. يجب ان نقول إن غريزة أن ندفع عن الضعيف إبراز عضلات زائدة لأناس القانون قد خفتت عند المدافعين عن حقوق الإنسان أيضاً. انظروا الى الكشف الصحفي الكبير الذي حظي به اعتقال المتظاهرين اليهود في الشيخ جراح، والزعزعة الأخلاقية: تركي (سبع ساعات مع هاتف خلوي بلا شاحن؟ فضيحة!)، حكم على الشيخ رائد بتسعة أشهر سجن بالفعل لبصقة. هدوءاً. هدوءاً.
بقلم: افيعاد كلاينبرغ